نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن البراز في الموارد، ولما فيه من إيذاء المارِّين بالماء، ولما يخاف من وصوله إليه.
وأمَّا انغماس مَنْ لم يستنجِ في الماء للاستنجاء، فإنْ كان قليلًا، فهو حرام، وإن كان كثيرًا جاريًا لا ينجس بوقوع النَّجاسة، فلا بأس به، وإِنْ كان راكدًا، فليس بحرام، ولا تظهَرُ كراهته؛ لأنه ليس في معنى البول، ولا يقاربه، ولو تركه، فهو حسن.
وفي الحديث دليل على أن حكمَ الجاري مخالف لحكم الرَّاكد؛ لأنَّ الشَّيء إذا ذكر بأخص أوصافه، كان حكمُ ما عداه بخلافه، والمعنى فيه أَنَّ الجاري إذا خالطه النَّجس، دفعه الجزء الثاني الَّذي يتلوه منه، فيغلبه، فيصير في معنى المستهلك الَّذي لمْ يخالِطْهُ النَّجس، والماء الرَّاكدُ القليلُ لا يدفع النَّجس عن نفسه إذا خالطه، لكن يداخله، فمهما أرادَ استعمالَ شيءٍ منه، كان النَّجس فيه قائمًا، والماء في حدِّ القلَّة، فكان محرمًا، -والله أعلم-.
وأما حكم الماء الَّذي انغمس فيه الجنب بعد انفصاله منه، فإن كان قلَّتين فصاعدًا، لم يصرْ مستعملًا، سواء اغتسل فيه واحدٌ متكررًا، أو جماعات في أوقات؛ وإن كان دون قلَّتين، فإِن انغمس فيه بغير نيَّة، ثمَّ لمَّا صار تحته، نوى، ارتفعت جنابته، وصار مستعملًا، وإنْ نزلَ فيه إلى ركبتيه مثلًا، ثم نوى قبل انغماس باقيه، صار الماءُ في الحال مستعملًا بالنِّسبة إلى غيره، وارتفعت الجنابة عن ذلك القدر المنغمس، بلا خلاف، وارتفعت -أيضًا- عن الباقي إذا تمَّم انغماسه على المذهب الصحيح المنصوص في مذهب الشَّافعي.
وقال بعض الشَّافعية: لا يرتفع عن باقيه، هذا إذا تمَّم انغماسه من غير انفصال، فلو انفصل ثُمَّ عاد إليه، لم يجزئْه ما يغسله به بعد ذلك، بلا خلاف، ولو انغمس رجلان تحت الماء النَّاقص عن قلَّتين إِنْ تصورتم [أنهما] نويا دفعة واحدة، ارتفعت جنابتهما، وصار الماء مستعملًا، فإن نوى أحدهما قبل الآخر، ارتفعت جنابة النَّاوي، وصار الماء مستعملًا بالنسبة إلى رفيقه، فلا ترتفع جنابته