للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فليغتسلْ" الفاء للتعقيب، واشترط مالك - رحمه الله - اتصالَ الغسل بالرواح؛ لتعلقه بالأمر بالمجيء إلى الجمعة، لكنه قد تبين أن المراد إرادتُه أو قصدُه، وأبعدَ داودُ الظاهري، وجعل الغسل متعلقًا باليوم فقط، حتى لو اغتسل قبل غروب الشمس يوم الجمعة حصلت مشروعية الغسل، مستدلًا بقوله - صلى الله عليه وسلم - في "الصحيح": "لو اغتسلْتُمْ ليومِكُم" (١)، وقوله: "غسلُ يومِ الجمعة" (٢)، وقوله: "لو اغتسلتم يوم الجمعة"، فعلقه، وأضافه إلى اليوم، وهو من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فدل على أنه مشروع لليوم، لا لتعين المجيء، لكنه قد تبين المقصود من الغسل، وبيان سبب شرعيته في الأحاديث الصحيحة، وهو إزالة الروائح الكريهة والوسخ؛ لعدم إيذاء الناس والملائكة، وكذلك أبعدَ من قدَّم جوازَه على يوم الجمعة؛ بحيث لا يحصل المقصود من إزالة ما ذكر والنظافة لم يعتد به، والمعنى إذا كان معلومًا من الشرع بالقطع؛ كالنص، أو بالظن الراجح المقارن للنص، فاتباعه وتعليق الحكم به أولى من اتباع مجرد اللفظ، وإذا كان أصل المعنى معقولًا، وتفاصيله تحتمل التعبد، فلا شك أنه محل نظر، ولا شك أن الأحاديث التي دلت على تعلق الأمر بالمجيء أو الإتيان قد دلت على تعلق الأمر بهذه الحالة المطلوبة من النظافة وإزالة الوسخ، والأحاديث التي تدل على تعليقه باليوم لا تتناول تعليقه بها، فهو إذا تمسك بها أبطل دلالة الأحاديث التي دلت على تعلق الأمر بالحالة المطلوبة، وليس له ذلك، ونحن إذا قلنا بتعليقه بهذه الحالة، لم يبطل ما استدل به، وعملنا بمجموع الأحاديث.


(١) رواه البخاري (٨٦١)، كتاب: الجمعة، باب: وقْت الجمعة إذا زالت الشمس، ومسلم (٨٤٧)، كتاب: الجمعة، باب: وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال، عن عائشة - رضي الله عنها -.
(٢) رواه البخاري (٨٣٩)، كتاب: الجمعة، باب: فضل الغسل يوم الجمعة، ومسلم (٨٤٦)، كتاب: الجمعة، باب: الطيب والسواك يوم الجمعة، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، بلفظ: "غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم".

<<  <  ج: ص:  >  >>