وهذه؛ فإن أم عطية كانت غاسلة للميتات، وكانت من فاضلات الصحابيات.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا" معناه: اغسلنها وترًا، وليكن ثلاثًا، فإن احتجتن إلى زيادة للإنقاء، فليكن خمسًا، على أن الإيتار مطلوب في غسل الميت، فإن حصل تعميمه وإنقاؤه بواحدة، كانت الثلاث مأمورًا بها ندبًا، وإن لم يحصل ذلك بواحدة، وحصل بالثلاث، كانت الثلاث واجبة، وندب الخمس، وقد اختلف أصحاب الأصول في جواز إرادة المعنيين المختلفين بصيغة الأمر؛ فقوله:"اغسلنها" صيغةُ أمر بالغسل، وقوله:"ثلاثًا" غير مستقل بنفسه، فإذا حصل المقصود بواحدة، كان قوله:"ثلاثًا أو خمسًا" غير داخل تحت صيغة الأمر بأصل الغسل، فيكون المراد به الاستحباب، فالوجوب مراد بالنسبة إلى أصل الغسل، والاستحباب بالنسبة إلى الإيتار عند عدم الحاجة إلى الزيادة على الواحدة أو الثلاث، وقد رواه مسلم بروايات:"اغسلنها ثلاثًا، أو خمسًا، أو سبعًا، أو أكثر من ذلك"، "اغسلنها وترًا: ثلاثًا أو خمسًا"، ولم يذكر الواحدة؛ لخروج الحديث على الغالب في الإنقاء والتعميم، لا على التحديد بعدد، ولهذا جعله - صلى الله عليه وسلم - مفوضًا إليهن على حسب الحاجة الشرعية، لا مجردة بحسب التشهي؛ فإن الأمر الوارد من الشرع يصان عن التشهي، خصوصًا إذا كان موصوفًا بصفة؛ لوجود الإسراف في التشهي، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن رأيتن ذلك"، فالكاف من "ذلكِ" مكسورة خطابًا لأم عطية - رضي الله عنها -، وأتى بالنون الثقيلة لجميع النساء؛ حيث إن الغسل لا يتعاطاه إلا جماعة منهن، لكن نظر المصلحة الشرعية قد يكون لواحدة منهن، فيحسن جمعهن في الرواية، وإفراد أم عطية في الخطاب، ومعنى ذلك: إن احتجن إلى الزيادة، وليس معناه التخيير والتفويض إلى شهوتهن.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "بماء وسدر" قد يوهم هذا اللفظ أن الماء المختط بالسدر يجوز التطهير به من غير ماء مطلق، وليس هو ظاهرًا في امتزاج السدر بالماء حال التطهير، بل يحتمل اجتماعهما في الغسل من غير مزج، ويكون أحدهما واردًا على الآخر، فيزول توهم جواز ذلك.