بقوله: ماتت في نفاسها، بل المراد: ماتت قبل خروج الولد في نفاسها، وعلى هذا تأوله بعض من منع القيام على جنازة المرأة على وسطها في الصلاة، وقال: إنما قام - صلى الله عليه وسلم - وسط هذه المرأة من أجل جنينها حتى يكون أمامه.
وقوله: فقام وسْطها، فهو -بسكون السين-، هكذا الرواية فيه، وكذا قيده الحفاظ، وقيده بعضهم بالسكون والفتح معًا بمعنى واحد، والصواب: أن الساكن ظرف، والمفتوح اسم، فإذا قلت: حفرت وسط الدار بئرًا، كان معناه: حفرت في الجزء المتوسط منها، ولا نقول: حفرت وسَط الدار بالفتح إلا أن تعم الدار بالحفر، وعلى هذا فالصواب في الرواية السكون (١).
وكون هذه المرأة ماتت في نفاسها هو وصف غير معتبر بالاتفاق، وهو حكاية أمر وقع، وأما وصف كونها امرأة، فهل هو معتبر أم لا؟ من الفقهاء من ألغاه، وقال: يقام عند وسط الجنازة مطلقًا، ذكرًا كان أو أنثى، ومنهم من خص ذلك بالمرأة كي يسترها عن الناس، وأما الرجل، فعند رأسه، وهو مذهب الشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبي يوسف، وقال ابن مسعود بعكس هذا، وذكر عن الحسن التوسعة في ذلك، وبها قال أشهب، وابن شعبان من أصحاب مالك، وقال أصحاب الرأي: يقوم فيها حذاء الصدر، ولا شك أن النساء لم يكن يسترن في ذلك الوقت بما يسترن به اليوم، لكن الفعل إذا شرع لمعنى، ثم زال ذلك المعنى، بقي الحكم فيه كما كان، وإن لم يوجد معنى السبب؛ كالرّمَل في الطواف وغيره.
وقد روى أبو داود وغيره ما يرفع الخلافَ: عن أنس - رضي الله عنه -: أنه صلى على جنازة، فقال له العلاء بن زياد: يا أبا حمزة! هكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على الجنائز كصلاتك؛ يكبر عليها أربعًا، يقوم عند رأس الرجل، وعند عجيزة المرأة؟ قال: نعم.
وهذا الحديث يدل على مشروعية مقام الإمام كذلك، وهل يبطل تأويل من