والمراد بدعوى الجاهلية: ما كانت العرب تفعله عند موت الميت برفع الصوت وغيره: واجبلاه! واسنداه! واسيداه! ويدخل في ذلك تحت لفظ الصالقة في الحديث السابق، وما كانت تدعو الناس إلى المآتم، والذابح عليها، والنعي، وما أشبه ذلك.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس منا"؛ أي: ليس من هدينا وسنننا وطريقتنا، وقال سفيان الثوري: يجري على ظاهره من غير تآويل؛ لأن إجراءه كذلك أبلغ في الانزجار عما يذكر في الأحاديث التي صيغتها: ليس منا من قال أو فعل كذا، وقال المتأخرون من العلماء: بل هي مؤولة على من فعلَ المزجورَ عنه معتقدًا حلَّه؛ فإنه يكفر بذلك، فيكون قوله:"ليس منا"؛ أي: ليس من أهل ديننا، وإن فعله غير معتقد حله، كان مؤولًا على: ليس من طريقتنا وسنننا، ولا يكفر، بل يكون عاصيًا.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ ضربَ الخدودَ" لما تضمَّنَ ضربُ الخدود عدمَ الرضا بقضاء الله تعالى وقدره، ووجود الجزع، وعدم الصبر، وضرب الوجه الذي نهى الشرع عن ضربه من غير اقتران مصيبة، كان فعله حرامًا مؤكدَ التحريم.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وشقَّ الجيوبَ" الجيوب جمع جيب، وهو ما يشق من الثوب ليدخل فيه الرأس نازلًا به إلى العنق والرقبة، أو يقطع منه، ومنه قوله تعالى:{وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ}[الفجر: ٩]: قطعوا، ولما تضمَّنَ شقُّه ما ذُكر في لطم الخدود، وإفساد الشق المذكور بزيادة على ما وضع له من الانتفاع به متضمنًا نقص قيمة الثوب، والرياء بذلك، كان أيضًا حرامًا شديد التحريم، وهو براءته - صلى الله عليه وسلم - من الشاقة في الحديث المتقدم.
وفي هذا الحديث:
تحريم هذه المذكورات، والسكون إلى أوامر الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في جميع الحالات.
وفيه: تحريم ضرب الوجه؛ لأنه إذا حرم البعض، فالكل بطريق الأولى، مع أن في الوجه ما هو أفضل من الخد.