قديم للشافعي - رحمه الله - من حيث إن الحديث يقتضي عدم وجوب الزكاة في الخيل والعبيد مطلقًا، وأجاب الجمهور عن استدلالهم بوجهين:
أحدهما: القول بالموجب؛ فإن زكاة التجارة متعلقها القيمة لا العين، فالحديث يدل على عدم تعلقها؛ فإنه لو تعلقت بالعين منها، لبقيت ما بقيت العين، وليس كذلك؛ فإنه لو نوى القنية، لانتفت الزكاة، والعين باقية، وإنما متعلق الزكاة فيهما القيمة بشرط نية التجارة وغيرها من الشروط.
والثاني: أن الحديث عام في عدم وجوبها في الخيل والعبيد، فإذا أقاموا الدليل على وجوب زكاة التجارة، كان هذا الدليل أخص من ذلك العام، فيقدم عليه، نعم يحتاج إلى تحقيق إقامة الدليل على وجوب زكاة التجارة، والمقصود ها هنا بيان كيفية النظر بالنسبة إلى هذا الحديث.
وفي الحديث دليل صريح على وجوب صدقة الفطر على السيد عن عبيده، سواء كانوا للقنية أو للتجارة، وهو مذهب مالك، والشافعي، والجمهور، وقال أهل الكوفة: لا تجب في عبيد التجارة، وحكي عن داود: أنها لا تجب على السيد، بل تجب على العبد، ويلزم السيدَ تمكينُه من الكسب ليؤديها، وحكاه القاضي عياض عن أبي ثور -أيضًا-.
وقد يستدل به لمن قال من أصحاب الشافعي: إن فطرة المكاتب على سيده؛ بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "المكاتَبُ عبدٌ ما بقيَ عليه درهمٌ"(١)، وقد اختلف في وجوبها وعدمه عليه، فقال الشافعي وجمهور العلماء: لا تجب فطرة المكاتَب عليه، ولا على سيده، وعن عطاء، ومالك، وأبي ثور: وجوبها على السيد؛ كالوجه المستدل له عن بعض الشافعية، وعندهم وجه: أنها تجب على المكاتب؛ لأنه كالحر في كثير من الأحكام، والله أعلم.
(١) رواه أبو داود (٣٩٢٦)، كتاب: العتق، باب: في المكاتب يؤدي بعض كتابته فيعجز أو يموت، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (٣/ ١١١)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (١٠/ ٣٢٤)، عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -.