للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتحريه في ذلك، وقد احتج به مسلم في "صحيحه"، وذكر له أحاديث كثيرة، فهو على شرطه، فيجوز أن يكون ترك لأجل تفرده به، وإن كان قد خرج في الصحيح أحاديث تفرد بها رواتها، وكذلك نقل البخاري أيضًا أحاديثَ تفرد بها رواتها، لكن للحفاظ مذاهب في الرجال، كل واحد منهم فعل ما أدى إليه اجتهاده من القبول والرد، وقد ذكر بعضهم في النهي عن تقدم رمضان وبعد نصف شعبان إنما كان لأجل التقوي على صيام رمضان، والاستِجمام، وهو بعيد، فإن ذلك إذا أضعف عن رمضان، كان شعبان كله أولى بأن يضعف، وقد أجمع العلماء على جواز صومه كله، بل على استحبابه، وقد روى أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه عن أم سلمة - رضي الله عنها -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه لم يكن يصوم من السنة شهرًا تامًّا إلا شعبان يصله برمضان، قال الترمذي: حديث حسن (١)، وقد ذكر بعضهم أن ظاهر حديث: "لا تقدموا رمضانَ بيومٍ ولا يومين" متعارض؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - لرجل: "هل صمتَ من سُرَرِ شعبانَ شيئًا"؟ قال: لا، قال: "فإذا أفطرتَ، فصمْ يومًا"، وفي رواية: "يومين"، وهو حديث صحيح رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود من رواية عمران بن حصين (٢)، والمراد بسرر شعبان: آخره؛ لأن الهلال يستسرُّ آخرَ الشهر ليلة أو ليلتين، وجمع بينهما بأن الرجل كان قد أوجب على نفسه صيام آخر الشهر بنذر، فأمره - صلى الله عليه وسلم - بالوفاء به، أو كان الصوم آخر الشهر عادة له، فتركه لاستقبال رمضان لأجل النهي عن تقدمه، فاستحب له النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقضيه؛ لكونه عادة له، وقال بعضهم: بل قوله: "هل صمت من سرر شعبان؟ " سؤال زجر وإنكار؛ لأنه قد نهى عن تقدم رمضان بيوم أو يومين، فلا يكون بينهما معارضة، والله أعلم.


(١) رواه أبو داود (٢٣٣٦)، كتاب: الصوم، باب: فيمن يصل شعبان برمضان، والنسائي (٢٣٥٣)، كتاب: الصيام، باب: صوم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي، والترمذي (٧٣٦)، كتاب: الصوم، باب: ما جاء في وصال شعبان برمضان، وابن ماجه (١٦٤٩)، كتاب: الصيام، باب: ما جاء في وصال شعبان برمضان، وهذا لفظ أبي داود، والنسائي.
(٢) رواه البخاري (١٨٨٢)، كتاب: الصوم، باب: الصوم آخر الشهر، ومسلم (١١٦١)، كتاب: الصيام، باب: صوم سرر شعبان، وأبو داود (٢٣٢٨)، كتاب: الصوم، باب: في الصيام.

<<  <  ج: ص:  >  >>