ليس من امبر امصيام في السفر، فابدلوا من اللام ميمًا، وهي لغة قوم من العرب، وهي قليلة، والله أعلم.
وقد أخذ من هذا الحديث: أنَّ كراهة الصوم في السفر لمن هو في مثل هذا الحال، ممّن يجهده الصوم ويشق عليه، أو يؤدي به إلى ترك ما هو أولى من القربات، ويكون قوله:"لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ في السَّفَرِ" منزلًا على هذه الحال، لكن المانعون من الصوم في السفر يقولون: اللفظ عام، والعبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السَّبب، وينبغي أن تتفطن لقاعدة كبيرة، وهي النظر في اللفظ العام المجرد، الجاري على سبب، وفي دلالة السياق والقرائن التي تخصص العام وتدل على مراد المتكلِّم، ولا يجري كل ذلك مجرى واحدًا؛ فإنَّ مجرَّد ورود العام على السبب لا يقتضي التخصيص؛ كقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٣٨)} [المائدة: ٣٨]{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}[المائدة:٣٨]؛ فإنها نزلت بسبب سرقة رداء صفوان، وذلك لا يقتضي التخصيص بالضرورة والإجماع، وأما السياق والقرائن، فإنها الدالة على مراد المتكلِّم من كلامه، وهي المرشدة إلى بيان المحتملات، فاضبط هذه القاعدة، فإنها نفيسة مفيدة لمواضع لا تحصى جارية منها، فانظر في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصَّومُ في السَّفَرِ"، مع حكاية حال الرجل المظلل عليه من أي القبيلين هو، فنزله عليه.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَيْكُمْ بِرُخصةِ اللهِ الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ" دليل على استحباب التمسك بالرخصة والعمل بها، إذا دعت الحاجة إليها، ولا تترك على وجه التشديد على النَّفس والتنطُّع والتعمُّق، والله أعلم.
وفي الحديث دليل على شرعيَّةِ السؤال عن أمور الناس وأحوالهم، في اجتماعهم وافتراقهم لولاة الأمور والعلماء؛ ليرشدوهم إلى الصواب والعمل به، وأنَّ ذلك ليس مما لا يعني.
وفيه دليل على أنَّ البرّ ليس مطلقًا، بل مقيَّد بالشَّرع،