وأما قوله:"رواه أبو هريرة" إلى آخره، فيحتمل أنَّه ذكر روايتهم لتقرير النهي وتأكيده؛ حيث إنَّ كلًّا منهم متأخر التَّحمل عنه - صلى الله عليه وسلم -، والرواية، وذلك دليل على استقرار حكم النهي وعمومه.
وأمَّا الوصال، فحقيقته: أن يتَّصل صوم اليوم الأول باليوم الثاني من غير فطر بينهما، فلا يتناول ذلك الفطر وقت السّحر، ولا يكون ذلك وصالًا، لكنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال:"فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُواصِلَ، فَلْيُواصِلْ إِلى السَّحَر"، وذلك يقتضي تسميته وصالًا، فيكون صورة لا معنى.
والحكمة في النَّهي عنه الملل المترتب عليه، والتعرُّض للتقصير في بعض وظائف الدِّين؛ من إتمام الصَّلاة، ووظائفها، وغيرها من وظائف العبادات المشروعة، في ليله ونهاره، أو ترك الصَّوم بالكلية، أو إبطاله، ولهذا المعنى نهى في الصَّوم عن الفصد والحجامة، ومنع من القبلة ونحوها فيه؛ حيث إن ذلك يؤدي إلى إبطاله وإفساده، وما أدى إلى الفساد، فهو فاسد.
ثمَّ الشيء قد يكون مأمورًا به بأصل الشرع؛ كالصوم، إِمَّا واجبًا، إِمَّا ندبًا، وقد يكون مأمورًا به، مترتَّبًا على إيجاب الشخص على نفسه؛ كالنَّذر، فإِنَّه منهي عنه بأصل الشَّرع، واجب الإتيان به، والحديث يعم النَّهي عن الوصال في ذلك جميعه.
فإن كان في الواجب بأصل الشَّرع، كان تركه واجبًا، وإن كان في المندوب على قول من يوجب إتمامه من الفقهاء، فكذلك، وعلى قول من يستحبه، كان تركه مستحبًّا، وفعله مكروهًا.
وأمَّا النذر: فهو متردد بين كون أصله منهيًا عنه، ويين ترتيب الوجوب عليه، لكنَّ رتبته في المنع من الوصال أعلى من رتبة الصَّوم المندوب، وأدنى من رتبة الصَّوم الواجب بأصل، وفيه نظر، فيحتمل استواؤهما؛ لاستوائهما في الوجوب، ويحتمل افتراقهما؛ لاختلافهما في الإيجاب بأصل الشَّرع، أو بإيجاب الشَّخص دون الشَّرع. لكنَّ الوجوب في النَّذر؛ إنما هو للوفاء بما التزمه