للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المضاف، وقد ثبت في لفظ آخر، وهو الالتفاف في ثوب واحد من رأسه إلى قدميه، يجلل به جسده، وتسمَّى الشملة الصمة أيضًا، سميت بذلك؛ لشدِّها وضمِّها جميع الجسد، ومنه الحديث. والثَّاني كالأزرة صماء؛ أي: مكتنَزة لا تخلل فيها، ومنها صمام القارورة، قال صاحب "المطالع": هذا قول أهل اللُّغة (١).

فأمَّا مالك وجماعة من الفقهاء، فهو عندهم الالتحافُ بثوب واحد، ويرفع جانبه على كتفه وهو بغير إزار، فيفضي ذلك إلى كشف عورته.

قلت: ولفظ الحديث مطابق لقول أهل اللُّغة، ولا يشعر تفسير مالك وغيره من الفقهاء به من لفظ الصَّمَّاء، والنَّهي عنه يحتمل خوفَ الدَّفع إلى حالة شاذة لمتنفسه فيهلك عما إذا لم يكن فيه فرجة، ويحتمل أنَّه إن أصابه شيء، أو نابه مؤذ، ولا يمكنه أنَّ يتَّقيه بيديه؛ لإدخاله إياهما تحت الثَّوب الَّذي اشتمل به، والله أعلم.

قوله: "وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ"، الاحتباء: هو أنَّ يضمَّ الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره، ويشُدُّه عليهما، وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب، وإنَّما نهى عنه؛ لأنه إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد، ربَّما تحرك أزوال الثوب، فتبدو عورته، ومنها: "الاحتباءُ حيطانُ العربِ" (٢)؛ أي: ليس في البوادي حيطان، فإذا أرادوا أنَّ يستندوا، احتبوا؛ لأن الاحتباء يمنعهم من السقوط؛ ويصير لهم كالجدار، يقال: احتبى يحتبي احتباءً، والاسم الحُبْوَة والحِبْيَة -بالواو والياء- وتضم الحاء وتكسر، والجمع حُباء وحِباء، والله أعلم (٣).


(١) انظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (٢/ ٤٦).
(٢) رواه الرامهرمزي في "أمثال الحديث" (ص: ١٥١ - ١٥٢)، عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه -.
ورواه السمعاني في "أدب الإملاء والاستملاء" (ص: ٤٢)، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.
(٣) انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (١/ ٣٣٥)، و"لسان العرب" لابن منظور (١٤/ ١٦١)، (مادة: حبا).

<<  <  ج: ص:  >  >>