للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمَّا المرأة: فإنَّه يباح لها ستر جميع بدنها بكلِّ ساتر، إلا سترَ وجهها وكفَّيها بغير القفَّازين، وفي ستر يديها به خلاف للعلماء، وهما قولان للشَّافعيِّ: أصحُّهما: تحريمه؛ للحديث، والله أعلم.

فإن قيل: سؤال الرَّجل للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إنَّما هو عمَّا يلبس المحرمُ، والجوابُ وقع عمَّا لا يلبس! فالجواب: أنَّ هذا من باب بديع الكلام وجزله، وهو أنَّه إذا كان المسؤول عنه غير منحصر، وغيرُه منحصر: أنَّه يُجاب بالمنحصر؛ لينضبط المسؤول عنه للسائل، فينتهي عن المنحصر، ويلبس ما سواه؛ تنبيهًا على أمرين:

أحدهما: أنَّ الإباحة هي الأصل فيه.

والثاني: أنَّه لا ينبغي أنَّ يعتبر أنَّ يتغيَّر في الجواب المطابقة للسؤال، بل المعتبر ما يحصل المقصود، وكيف كان، ولو بتغير، أو زيادة، ولا تشترط المطابقة، وذلك لأنَّ مطلوب الشَّرع البيان والتقريب إلى الأفهام، وبأيِّ نوع كان يرجَّح الإتيان به على غيره.

وبهذا شُرِّفَ اللِّسان العربيُّ على غيره من الألسنة، حتَّى جعله الله - عَزَّ وَجَلَّ - لسانَ أهل الجنّة ولغتَهم، والله أعلم.

وفي هذا الحديث أحكام:

منها: تحريم ما ذكر على المحرم في الحديث، وهو إجماع واتِّفاق من العلماء. وعدّاه القياسون إلى ما رواه في معناه على ما ذكرناه.

ومنها: أنَّ المحرم هو من دخل في الحجِّ أو العمرة معًا، أو أحدهما، والإحرام: الدُّخول في أحد النُّسكين، والتشاغل بأعمالهما، قاله شيخنا أبو الفتح القاضي - رحمه الله -.

وقد كان شيخنا العلَّامة أبو محمَّد بن عبد السلام يستشكل معرفة حقيقة الإحرام جدًّا، ويبحث فيه كثيرًا، وإذا قيل: إنَّه النيَّة، اعترض عليه بأنَّ النيَّة شرط الحجِّ الَّذي الإحرام ركنُه، وشرط الشَّيء غيرُه، ويعترض عليه أنَّ التَّلبية، بأنَّها

<<  <  ج: ص:  >  >>