للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زمن إبراهيم، واستدلَّ للقول الأوَّل بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ هذا البلدَ حرَّمَهُ اللهُ يَوْمَ خَلَقَ السمواتِ والأرضَ" (١)، واستدلَّ للقول الثَّاني بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إِن إبراهيمَ حرَّمَ مكَّة" (٢).

وأجاب الأكثرون عن هذا الثَّاني: بأنَّ تحريمها كان ثابتًا يوم خلق الله السموات والأرض، ثمَّ خفي تحريمها، ثم أظهره إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - وأشاعه؛ لا أنه ابتدأه.

وأجاب من قال بالقول الثَّاني عن الأوَّل: بأنَّ معناه: أنَّ الله تعالى كتب في اللَّوح المحفوظ أو غيره يوم خلق الله السموات والأرض: أنَّ إبراهيم سيحرّم مكَّة بأمر الله تعالى، والله أعلم.

ومنها: ما أكرم الله تعالى به رسوله - صلى الله عليه وسلم - من تحليل القتال له بمكة ساعةً من نهار، وأنَّه استمرَّ تحريمها إلى يوم القيامة.

ومنها: تحريم القتال بمكة.

قال أبو الحسن الماورديُّ، صاحب كتاب "الحاوي" في كتابه "الأحكام السُّلطانية" (٣): من خصائص حرم مكَّة: أن لا يحارب أهله، فلو بغى أهله على أهل العدل، فإن أمكن ردُّهم عن البغي بغير قتالٍ، لم يجز قتالهم، وإن لم يمكن ردُّهم عن البغي إلَّا بالقتال، فقال جمهور الفقهاء: يقاتلون؛ لأنَّ قتال البغاة من حقوق الله -عزَّ وجلَّ- الَّتي لا يجوز إضاعتها، فحفظها في الحرم أولى من إضاعتها، وهذا هو الصَّواب الَّذي نصَّ عليه الشَّافعيُّ في "الأمِّ"، في: اختلاف الحديث، منه، وفي "سير الواقديِّ" منه.

وقال بعض الفقهاء: يحرم قتالهم، ويضيَّق عليهم حتَّى يرجعوا إلى الطَّاعة،


(١) سيأتي تخريجه قريبًا.
(٢) رواه البخاري (٢٠٢٢)، كتاب: البيوع، باب: بركة صاع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومسلم (١٣٦٠)، كتاب: الحج، باب: فضل المدينة، عن عبد الله بن زيد بن عاصم - رضي الله عنه -.
(٣) انظر: "الأحكام السلطانية" للماوردي (ص: ٢٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>