للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووصفهنَّ به تنبيهًا على إيذائهنَّ، وعدم حرمتهنَّ، وإباحة قتلهنَّ في مواضع تحريم قتل غيرهنَّ من الدَّواب.

والمراد بالحرم؛ ما أطاف بمكة -شرَّفها الله تعالى-، وأحاط بها من جوانبها، جعل الله -عزَّ وجلَّ- له حكمها في الحرمة تشريفًا لها، وهو محدود معروف عليه علامات من جوانبه كلّها، ومنصوب عليه أنصاب.

وذكر الأزرقيُّ في "تاريخ مكَّة" (١)، بأسانيده، وغيرُه: أنَّ إبراهيم الخليل - صلى الله عليه وسلم - عملها، وجبريل - صلى الله عليه وسلم - يريه مواضعها، ثمَّ أمر النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بتحديدها، ثمَّ عمر، ثمَّ عثمان، ثمَّ معاوية -رضي الله عنهم-، وهي إلى الآن بيته، ولله الحمد.

والمراد بالحلِّ: ما عدا ذلك، وقد ثبت في إباحة قتلهنَّ في الإحرام أيضًا رواية في "صحيح مسلم"، والله أعلم.

وقوله في رواية مسلم: "يُقْتَلُ خَمْسُ فَوَاسِقَ"، هو بإضافة خمس، لا بتنوينه، وقد روى مسلم أيضًا: "خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ"، ففي خمس هنا وجهان: أحدهما، وهو المشهور: تنوينه، وفواسقُ صفة له، والثَّاني: إضافته إلى فواسقَ من غير تنوين.

والرواية الأولى في الكتاب تدلُّ للمشهور من رواية التَّنوين، من غير إضافة إلى فواسق؛ فإنه أخبر عن خمس بقوله: كلُّهن فواسقُ، وذلك يقتضي أن ينون خمس، وينوَّن فواسق أيضًا، وبين التَّنوين والإضافة في هذا فرقٌ دقيقٌ، وهو: أنَّ التَّنوين يقتضي مداخلة الفسق لهنَّ، فيصير كأنَّه جملتهنَّ، بخلاف الإضافة؛ فإنَّها قد تقتضي ذلك، وقد لا تقتضيه.

وقد مثَّلوا ذلك في قولهم: رجلٌ عدلٌ وصومٌ، بالتَّنوين والإضافة. وقالوا: التَّنوين أبلغ، والله أعلم.

وَأمَّا الغُرَابُ: فهو مفرد، وله جموع، نظمها شيخنا أبو عبد الله بن مالك الجياني -رحمة الله عليه- في بيتٍ:


(١) انظر: "تاريخ مكة" للأزرقي (ص: ١٢٨) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>