للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال التجاني (٣٩) في «رحلته» وصلنا ظهرا إلى صفاقس فرأيت / مدينة حاضرة ذات سورين يمشي الراكب بينهما، ويضرب البحر في الخارج منهما، وكانت بها غابة زيتون ملاصقة لسورها فأفسدتها العرب، فليس بخارجها الآن شجرة قائمة، وفواكهها مجلوبة إليها من قابس (٤٠).

قلت (٤١): وهذا كان في تلك الأعصار وأما الآن منذ دخلت العساكر العثمانية (٤٢)، ولا سيّما في دولة سيدي حسين باي بن علي (٤٣) وعترته، فصفاقس لها بساتين وجنّات مشتملة على غرائب الأشجار، وبدائع الثّمار خصوصا الفستق (٤٤) الذي لا يوجد مثله إلاّ مجلب، والتين والكروم المختلفة الألوان والأشكال، والكمثرى بجميع أنواعها، خصوصا السكّري منها، والتفّاح بجميع طعومه، والمشمش الفائت الحصر، واللّوز بجميع أنواعه، والمقاثي، والبطيخ بجميع أنواعه وأشكاله، وعيون


(٣٩) أبو محمد عبد الله بن محمد بن أحمد التجاني، ولد بتونس العاصمة ما بين ٦٧٠ - ٦٧٥/ ١٢٧٢ - ١٢٧٦ ونشأ في بيئة مخزنية راقية، قام برحلته في البلاد التونسية والقطر الطرابلسي من سنة ٧٠٦ - ٧٠٨/ ١٣٠٦ - ١٣٠٨. راجع مقدمة حسن حسني عبد الوهاب، محقق الرحلة، ص: ١٩ وما بعدها. رحلة التجاني. تونس ١٩٥٨.
(٤٠) رحلة التجاني، تحقيق حسن حسني عبد الوهاب، تونس ١٣٧٨/ ١٩٥٨ ص: ٦٨.
(٤١) ما يلي خاص بالمؤلف.
(٤٢) دخلت صفاقس مع عدة مدن تونسية تحت النفوذ العثماني، على يد درغوث باشا، قبل دخول تونس العاصمة تحت نفوذهم بنحو عشرين سنة، وألحقت صفاقس نهائيا بعاصمتها تونس في رجب ١٠٠٢ هـ - مارس ١٥٩٣ بعد فترة طويلة بقيت فيها مرتبطة اداريا بطرابلس. راجع علي الزواري: صفاقس في القرن السادس عشر، مجلة القلم، صفاقس ١٩٧٤ عدد ٢، ص: ٤ وما بعدها، وأنظر عزيز سامح: الأتراك العثمانيون بشمال افريقيا، ترجمة من التركية، عبد السلام أدهم، بيروت ١٩٦٩، ص: ٨٦.
(٤٣) أسس الدولة الحسينية في سنة ١٧٠٥ إلى أن افتكها منه ابن أخيه علي باشا في سنة ١٧٤٠ بعد مدة من الاضطرابات بدأت سنة ١٧٢٨، والمؤلف من الممجدين للدولة الحسينية كما يتبين من تأليفه، وربما لأن الايالة التونسية وصفاقس، مدينة المؤلف، مشت على درب التقدم أشواطا خلال القرن الثامن عشر أي منذ انتصاب الحسينيين. وخاصة مدة حكم حمودة باشا الذي عاصره محمود مقديش.
(٤٤) كتبها المؤلف «فزدق». هذا في عصر المؤلف، أما الآن فإن انتاجها منه قليل لأن شجرة الفستق تحتاج إلى عناية كبيرة، وأهم غراسة للفستق الآن موجودة بضيعة الشعال الحكومية التي بها ما يقرب من ٣٠٠٠٠ شجرة. والطقس وطبيعة التربة بمنطقة صفاقس يساعدان على نمو هذه الشجرة لذلك بدت الرغبة الآن في غراستها من جديد وجربت بين الزيتون كما في الماضي فتعايشت معه.