للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الباب الأول

في تحديد المغرب برا وبحرا

[البحر المظلم]

اعلم (١) ان أول المغرب برا من جهة مغرب الشّمس هو البحر المحيط، ويسمّى البحر المظلم وبحر الظلمات وهو البحر الذي لا يعلم ما وراءه إلا الله تعالى من حيث الوقوف والمشاهدة بالعيان وإن كان من المعلوم بالضّرورة أنه ينتهي بالآخر (٢) من جهة العلو إلى الهواء، ومن جهة السّفل إلى الأرض، لكن لم يقطع ظهره بالرّكوب أحد، فلهذا يقال لا يعلم ما وراءه إلا الله (٣).

وفي هذا البحر من هذه الجهة الجزائر الخالدات الستّ التي أخذ منها بطليموس (٤) ابتداء أطوال (٥) البلدان لجميع الأرض، كما أخذ ابتداء الأعراض من خط الاستواء والاعتدال، وفي هذه الجزر جزيرتان في كل واحدة منهما صنم مبني بالحجارة وارتفاع (٦) كلّ صنم منهما مائة ذراع، وفوق كل صنم منهما صورة من نحاس تشير بيدها إلى خلف، أي ما ورائي شيء ولا مسلك، إحداها (٧) مسفهان (٨) والأخرى لقوس (٩) وإليها وصل الإسكندر ثم رجع. وحديث البحر المظلم وعجائبه يطول. وسنشير إلى بعض منه فيما بعد. وسمّي محيطا لإحاطته بالأرض من جميع الجهات وهي مغرقة في وسطه كالأترجّه الملقاة في بركة من ماء والقدر البارز من الأرض قيل الثلث، وقيل غير ذلك.


(١) ينقل عن الادريسي بتصرف، راجع صفة المغرب وأرض السودان ومصر والأندلس من كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، طبعة ليدن ١٦٦٨، ص: ٢ وص: ٢٨. وسنشير إليها فيما يأتي بنزهة المشتاق اختصارا.
(٢) في ش: «بالأخرى».
(٣) في ط: «ما وراءه أحد إلاّ الله».
(٤) في ت: «بطليموس الحكيم».
(٥) كذا في نزهة المشتاق ص: ٢٨. في ت وط: «طول» وكذلك في نزهة المشتاق، ص: ٢.
(٦) في نزهة المشتاق: «وطول كل صنم».
(٧) أي الجزائر الخالدات.
(٨) في الأصول «سفهان» والمثبت من ن. م. ص: ٢٨.
(٩) كذا في بعض نسخ الادريسي وفي غيرها «لغوس».