للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت لا منافاة بين كلامي الشيخ ابن الدباغ - رحمه الله - فان العبيديين كثيرون منهم صريح الفسق، ومنهم صريح الكفر، ومنهم المستور، فان من ثبت عنه سبّ الصّحابة ولم يتب فاسق، ومن ثبت عنه سبّ الأنبياء ولم يتب كافر، ومن سلم من ذلك فهو مستور، صالح في سياسته، فاسق في اعتقاده الا من سلم ظاهرا وباطنا من الكفر والابتداع، وقليل ما هم، وقد تقدّم قول السّيوطي أن أكثرهم زنادقة خارجون عن الاسلام منهم من أظهر سبّ الصّحابة والأنبياء ومنهم من أباح الخمر، ومنهم من أمر بالسّجود له، والخيّر منهم رافضي خبيث لئيم يأمر بسبّ / الصّحابة، وأما اظهار العدل والانصاف من بعضهم وتولية قضاة الحق وفصاحة الخطبة فلا يدل على شيء، فان أكثر الكفرة اذا استولوا على الخلق غلبة وأدخلوهم تحت حكمهم أمرا ونهيا فانقادوا لهم يظهرون العدل فيهم والانصاف سياسة لا ديانة وطاعة لله، فكم ظهر من عدل في بعض أحكام فرعون، وبعض الأكاسرة مع انكار الصّانع أو دعوى الرّبوبيّة وقد يكون تمدينا من بعض النصارى مع صريح كفرهم الذي لا شك فيه.

تأسيس المهديّة:

«وفي سنة ثلاث وثلاثمائة لخمس خلت من ذي القعدة (٩٩) ابتدأ المهدي بناء المهديّة المدينة المشهورة فلذا نسبت إليه، وعندما كمل بناؤها قال: الآن آمنت على الفاطميات» (١٠٠) «قال أبو اسحاق ابراهيم بن القاسم بن الرّقيق في كتابه (١٠١): خرج عبيد الله المهدي بنفسه في سنة ثلاثمائة إلى مدينة تونس فاجتاز على قرطاجنة وغيرها، ومرّ على جميع السّواحل يرتاد موضعا على ساحل البحر يتخذ فيه مدينة تحصّنه، وتحصّن بنيه من بعده، وقد كان عنده علم (حدثاني بقيام قائم) (١٠٢) على ذرّيته، فأقام يلتمس ذلك مدّة، فلم يجد موضعا أحسن ولا أحصن من موضع المهديّة فبناها هنالك، وجعلها دار مملكته. قال: وكان أول ما ابتنى منها سورها الغربي الذي في أبوابها، وعندما وضع


(٩٩) ١١ ماي ٩١٦ م، انظر رحلة التجاني ص: ٣٢٠، وانتقل إليها في شهر شوال من سنة ثماني وثلاثمائة فسكنها، تاريخ الخلفاء الفاطميين، المرجع السابق ص: ٢٠٩.
(١٠٠) نقلا عن التجاني بتصرف يسير.
(١٠١) النقل من رحلة التجاني ص: ٣٢٠.
(١٠٢) في الأصول: «حدثان بقائم» والمثبت من رحلة التجاني ص: ٣٢١.