للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الباي حمّودة باشا المرادي:

فقام ولده بعده بالأمور وساسها على أحسن منوال، وأظهر من أبّهة الإمارة ما لم يظهره غيره، وفعل ما لم يفعله بنو حفص، فانفرد بالأمر، وباشر الولاية بقوّة جأش، وقابل الرّعيّة برفق وإحسان، وقرّب القاصي، وانتقم من العاصي، وكان كامل الذّات حسن الصّورة والأفعال والأخلاق، وله شهامة زائدة وجودة فكر مع رزانة ولين، وجعل كاتبه الصّغير بن صندل كاتب أبيه ومستشاره من قبل، وكان خليفته في السّفر رمضان باي وحسن باي وجعفر باي ومصطفى باي، وهؤلاء هم المشهورون من مماليكه، وكان جوادا شجاعا محبّا لأهل العلم والخير، وكان مجلسه مجمع أهل الفضل والعلم والأدب، وتجري في مجلسه مباحثة في العلوم، فيشارك فيها بفهم ثاقب وفكر صائب، ولأهل مجلسه مرتّبات سنيّة فيعمّ الجميع بالإحسان على قدر مراتبهم بالبرّ والبقر والغنم والدّينار والتّمر، والتّفاصيل إلى غير ذلك ممّا هو شأن السّلاطين.

ولمّا مات رجب باي، إستقل بالأمر مطلقا فبعد شأوه وتهيّأ لقتال المفسدين من الأعراب {الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ} (١٢١) {وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ} (١٢٢) فتصدّى أوّلا لأولاد سعيد، وكانوا أوّلا مشتّتين في البلاد، ولمّا وقعت فتنة العسكرين (١٢٣) بسبب إبن شنّوف (١٢٤) - المتقدّمة الذّكر - قامت قيامة أولاد سعيد، فلجّوا في الشّقاق والنّفاق، وسدّ الطّرق وإظلام الآفاق، وكان المرحوم مراد باي لم يبلغ منهم مراده فكانوا يلجأون إلى حوالي الحامة ويتحصّنون بها لأنها ساعدتهم على نفاقهم سبع سنين، فخرج لهم حمّودة باشا - رحمه الله - في محلّة الشّتاء سنة إحدى (١٢٥) وأربعين (١٢٦) وشدّ أزر مدينة القيروان بعد ما كاد يقع بها من أولاد سعيد الخسف، فاستوثق أمرها، وولّى عليها مملوكه القائد علي الحنّاشي، ودخل بمحلّته إلى بلاد الجريد، وخلّص مجباه، ثم إلتفت إلى الحامّة بعد تشتيت شمل أولاد سعيد وبني


(١٢١) سورة الشّعراء: ١٥٢.
(١٢٢) إقتباس من الآية ٢٠٥ من سورة البقرة.
(١٢٣) أي الجزائري والتونسي.
(١٢٤) كذا في ت، وفي ش وط: «شنوب».
(١٢٥) في الأصول: «واحد».
(١٢٦) ١٦٣١ - ١٦٣٢ م.