للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عبد المؤمن يسير نحو افريقية ويخلصها من النرمان وتمتثل لطاعته]

ولمّا (١٠٢) وصل من ذهب لعبد المؤمن من أهل زويلة إلى مرّاكش ودخلوا على عبد المؤمن أخبروه بما جرى على المسلمين وأنه ليس في ملوك / الاسلام من يقصد سواه، ولا يكشف هذا الكرب غيره مع ما كان يغريه الحسن على غزو افريقية وافتكاك المهديّة، فأثّر فيه كلامهم تأثيرا عظيما حتى دمعت عيناه، وأطرق مليا وأخذته غيرة الدّين وعصبيّة الاسلام وعزّة الملك فرفع رأسه وقال: أبشروا لأنصرنّكم ان شاء الله ولو بعد حين، وأكرم نزلهم وأطلق لهم ألفي دينار، ثم أمر بعمل الروايا (١٠٣) والقرب والحياض وما يحتاج إليه العساكر من آلة السفر، وكتب إلى جميع نوّابه بالمغرب، وكان قد ملك إلى قرب تونس يأمرهم بحفظ جميع ما يحصل من الغلات، وأن يترك في سنبله ويخزن في مواضعه، وأن يحفروا الآبار في الطّريق، ففعلوا جميع ما أمرهم به فجمعوا غلاّت ثلاث سنين ونقلوها إلى المنازل، وطينوا (١٠٤) عليها فصارت كالتلال.

فلمّا كان صفر من سنة أربع وخمسين وخمسمائة (١٠٥) سار عن مرّاكش، وكان أكثر أسفاره في صفر، فسار يطلب افريقية، واجتمع معه من العساكر مائة ألف مقاتل، ومن الأتباع والسّوقة مثلهم (١٠٦)، (وقيل الخيل مائة ألف وأما الرجالة فلا يحصون كثرة) (١٠٧) وبلغ من حفظه لعساكره أنهم كانوا يمشون بين الزّرع فلا تتأذى بهم سنبلة، واذا نزلوا صلوا جميعهم مع امام واحد بتكبيرة واحدة لا يتخلف منهم أحد كائنا من (١٠٨) كان. وقدم بين يديه الحسن بن علي صاحب المهديّة» (١٠٩) «(١١٠) ومن تاريخ ابن شدّاد أن عبد المؤمن لمّا سار إلى تونس بالجموع العظيمة / كانوا يمرّون بالمزارع في الطّريق الضيّقة فلا يؤذون شيئا منها، وكانت هذه العساكر تمتدّ أميالا وكلّهم يصلّي الصّلوات


(١٠٢) ينتقل إلى ص: ٢٤١ من نفس المرجع.
(١٠٣) في الأصول: «الروايات» والصواب ما أثبتناه والروايا جمع روية.
(١٠٤) يقصد: «وطمسوا عليها».
(١٠٥) ١١٥٩ م.
(١٠٦) كذا في ط وفي الكامل، وفي ش: «أمثالهم».
(١٠٧) زيادة عما في ابن الأثير ١١/ ٢٤٢، وانظر رحلة التجاني ص: ٣٤٥.
(١٠٨) في الأصول: «ما».
(١٠٩) الكامل ١١/ ٢٤١ - ٢٤٢.
(١١٠) نقله من رحلة التجاني ص: ٣٤٦ - ٣٤٧.