للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تيمورلنك]

ولنرجع إلى الكلام على بقية أخبار المغولية الذين عمّت بهم البلية فإنهم استمرّت منهم بحار الفتن تمور إلى أن نبع الأعرج تيمور (٢٩٩)، فأهلك الحرث والنسل، وأفسد في الأرض، {وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ} (٣٠٠)، فهو أحد الدجّالين. ذكر صاحب المنتخب أن له نسبا يصل به إلى جنكز خان من جهة النساء، فهو فرع خبيث نشأ عن أصل خبيث، وكان رجلا له قامة شاهقة كأنه من بقايا العمالقة، عظيم الجبهة والهامة، شديد القوّة والبأس، قيل إن طول قامته تسعة وعشرون ذراعا (٣٠١) وكان من أبهته أن ملوك الأطراف مع استقلالهم بالخطبة والسكة كانوا إذا قدموا عليه بهدياتهم يجلسون على أعتاب العبودية نحوا من مدّ البصر من سرادقته، وإذا أراد منهم واحدا أرسل من الخدمة نحوه قاصدا، فيدعون ذلك الواحد باسمه فيغدو نحوه.

وكان بدء خروجه في حدود الستين والسبعمائة (٣٠٢)، وهو من قرية تسمّى خواجا أبغار من أعمال كش (٣٠٣) وهي مدينة من مدن ما وراء النهر، ذكر أنه لمّا ولد سقط على الأرض فرفع فإذا كفّاه مملوءتان من الدم العبيط، فقال بعضهم، يكون شرطيّا، وقال بعضهم ينشأ لصا حراميا، وقال قوم يكون قصّابا سفّاكا / وقالوا: بل يصير جلاّدا وكان أبوه فقيرا إسكافيا (٣٠٤) فنشأ هو شابّا جلدا لكنه من القلّة يتلصّص، ففي بعض الليالي سرق غنما فشعر به الرّاعي فضربه بسهمين أصاب بأحدها فخذه فأخطأها وبالآخر


(٢٩٩) هو تيمورلنك واللنك هو الأعرج، ثم خفّفت فقيل لنك، راجع الضوء اللامع للسخاوي ٣/ ٤٦ - ٥٠ والسخاوي هو شمس الدين بن محمد بن عبد الرحمان (ت.٩٠٢/ ١٤٩٦ - ١٤٩٧) وهو محدث مؤرخ، وانظر شذرات الذهب لعبد الحي بن العماد الحنبلي (١٠٨٩ هـ - ١٦٧٨ م)، وعجائب المقدور في أخبار تيمور لابن عرب شاه، وأنباء العمر للحافظ ابن حجر العسقلاني ٢/ ٣٠١ - ٣٠٤، وعن غزوة حلب وما ارتكب فيها من العظائم، أنظر روضة المناظر لأبي الوليد محمد بن الشخنة بهامش الكامل لابن الأثير ١٢/ ١٩١ - ١٩٧ وابن الشخنة كان حاضرا في مجلس تيمورلنك مع علماء حلب ليعنيهم بمسائله، وانظر دائرة المعارف الإسلامية الطبعة العربية ١٠/ ٢٩٨، ٣٠٣.
(٣٠٠) البقرة: ٢٠٥.
(٣٠١) شاهد آخر على ميل المؤلّف إلى الأساطير الشعبية واستعمالها كمرجع تاريخي.
(٣٠٢) ١٣٥٨ - ١٣٥٩ م.
(٣٠٣) في الأصول: «الكش» والمثبت من دائرة المعارف الإسلامية ١٠/ ٢٩٨.
(٣٠٤) وقيل انه ابن راع من الرعاة، نفس المرجع.