للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأوّلين وقف على جزء الجزور وقال: لا أزيد على هذا، فقلت: مرادنا ختم الكتاب، فقال: ها هنا وقف بنا شيخنا سيدي إبراهيم، فوقف ولم يزد.

ولمّا امتحن مع إخوانه من فقهاء الأوطان في أيّام الباشا - رحمه الله - بتغريبهم لتونس وطالت مدّة غربته - رحمه الله - وتعسّر وجه الخلاص، وكان الباشا - سامحه الله - رجلا شهما صلبا تتنازعه نفسه للإنتقام فقال بحضرة الشّيخ أبي الحسن المترجم:

مذهب أبي حنيفة عدم المؤاخذة بالتّهمة، والنّاس كثر شرّهم وكثرت فيه التّهم، وددت أنّي نجد في مذهب من المذاهب جواز المؤاخذة بالتّهمة لنقمع هؤلاء الفجرة أولي التّهم، فأجابه الشّيخ المترجم، بأنّ مذهب مالك على جواز المؤاخذة بالتّهمة، قال ابن عاصم في رجزه:

[الرّجز]

وإن يكن مطالبا من يتّهم ... فما لك بالسّجن والضّرب حكم.

فأظهر الباشا الفرح والسرور وقال: أنا آخذ في هذه المسألة بمذهب مالك وأقلّده فيها والحمد لله أن حقّق الله / رجائي وذلك لأنّه كان يقول: نرجو من الله أن يكون كلّ من قتلته أو ضربته أو سجنته ما فعلت به ما فعلت إلاّ بوجه شرعي لا بتشفّ وغرض نفسي (٥٩٠) ثمّ قال: يا فقيه، قد عفوت عنك، إرجع لوطنك على ما كنت عليه من الفتوى، فرجع وأقام على حاله إلى أن أدركته منيّته بجربة سنة نيف وسبعين ومائة وألف (٥٩١).

ترجمة الشّيخ الولي محمّد عبّاس:

ومن مجاذيب صفاقس الشّيخ الصّالح العارف بالله أبو عبد الله سيدي محمّد عبّاس.

كان - رحمه الله - على قدم عظيم وأمر مشتبه على من لا يحسن الإعتقاد، قيل إنّ بعض النّاس [قال]: كيف يكون هذا من الأولياء ولم يظهر له كرامة ولا ما يوجب


(٥٩٠) هذا غير صحيح، وعلي باشا الأوّل نشر الرّعب والخوف لجسارته على سفك الدّماء والعقاب لأقلّ تهمة لا سيما مع من كانوا متّصلين بعمّه حسين بن علي باي، ممّا يدلّ على حبّ التّشفي والإنتقام ومتابعة هوى النّفس، ولذلك وصف بأنّه ظلوم.
(٥٩١) بعد سنة ١٧٥٧ بقليل.