للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الباب الثّالث

فيما وقع لأهل صفاقس من الجهاد في هذه الأعصار المتأخّرة

[حروب صفاقس مع مالطة]

لمّا كثر جور أهل مالطة (١) - دمّرهم الله تعالى - إستشار أهل الفضل بعضهم بعضا كالشّيخ النّوري - رحمه الله تعالى - وأضرابه في شأن جهاد هؤلاء الكفرة، ورأوا أنّه لا يكون إلاّ بإنشاء سفن مخصوصة تناسب القتال، فوافق على ذلك جلّ النّاس ورأوه حسنا شرعا، وطبعا لما رغّب الله فيه، وحماية لأرزاق المسلمين وأنفسهم، وإنّما / قام بهذا الفرض أهل صفاقس لأنّ لهم تعلّقا كبيرا بسفر البحر (٢)، فهم مضطرون للجهاد دنيا ودينا (٣) ولا قدرة لهم على تركه، قال تعالى: {قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} (٤).

فلمّا إتفق أهل الفضل على إنشاء السّفن تعاونوا على الخير وبذلوا أموالهم إبتغاء رضوان (٥) الله، فأنشؤوا عدّة سفن، فوفّق الله رأيهم (٦)، فغنموا من الكفّار كثيرا، وقمع الله الكفّار.


(١) كانت تحت سيطرة فرسان مالطة (فرسان يوحنا الأورشليمي) وهي منظّمة رهبانية مسيحية ترى من أوكد واجباتها محاربة المسلمين. ومؤسّسها وجماعته كانوا في جزيرة رودس، ولمّا احتلّها الأتراك إنتقلوا إلى مالطة.
(٢) وممّا يدلّ على تعلّقهم بركوب البحر والسّفر للتّجارة الخرائط الّتي أنشأها بعض أفراد أسرة الشّرفي الصّفاقسيّة خلال القرن السّادس عشر، وأهمّها الخارطة الّتي وضعها علي بن أحمد الشّرفي في سنة ٩٥٨/ ١٥٥١ وتملك منها المكتبة الوطنيّة بباريس نسخة مخطوطة. أنظر كراتشكوفسكي، تاريخ الأدب العربي ١/ ٤٥٦.
(٣) نظرا لبعد صفاقس عن العاصمة تونس، كان من المفروض عليها في تلك الأعصار المضطربة أن تعتمد على نفسها عسكريا واقتصاديا. أنظر أحمد عبد السلام Les historiens tunisiens.
(٤) سورة التّوبة: ١٢٣.
(٥) في ط: «مرضات».
(٦) في ش: «في رأيهم».