كتاب نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار

الباب الثالث فيما وقع لأهل صفاقس من الجهاد في هذه الأعصار المتأخرة - حروب صفاقس مع البلنسيان - ج: 2 - ص: 214

ثمّ طالت الأيّام وتهشّمت تلك السّفن، ووقعت فتنة وشدّة، ومات أولئك النّاس، فرجع الكفّار لجورهم لأنّهم - لعنهم الله - ما زالوا على ما كانوا عليه من أذيّة المسلمين (منذ (٧) خرجوا من رودس، فلمّا سكنت الفتنة وتراجع النّاس إنتبهوا - رحمهم الله - من أمر البحر فرأوا ما وقع من أذيّة الكفّار للمسلمين) (٨) وعلموا أنّه لا يقمع شرّ هؤلاء الكفرة الفجرة إلاّ إنشاء غير تلك السّفن، فاتّفقوا على ذلك وأنشؤوا ثمان سفن، فأمن بهم البحر وانقطعت (٩) أذيّة الكفّار.

وعادة أهل البلد في غزوهم أنّهم مهما سمعوا بخبر بعض سفن العدوّ (١٠) ضربوا طبلا على سور البلد فوق باب البحر (١١) وأجرى الرّؤساء سفنهم، وتسارع أهل الخير للنّزول للبحر، وأخذوا ما تيسّر من الزّاد وآلة الحرب، وركبوا في السّفن، فيسيرون طالبين آثارهم من رأس المخبز قرب طرابلس إلى قرب رأس أدار (١٢) بتونس، فإن وجدوا عدوّا حاربوه، فإن قسم فيه النّصيب أخذوه، وإن فلت وفرّ تبعوه إلى بلاده أو إلى ما يقرب / منه، وإن لم يقسم النّصيب أو لم يجدوا عدوّا رجعوا لبلادهم سالمين مأجورين (١٣)، (فغلبت السّلامة في البحر من طرابلس لتونس) (١٤).

[حروب صفاقس مع البلنسيان]

ثمّ إنّ الباشا (١٥) - رحمه الله تعالى - كان حربا على البناديق (١٦) من النّصارى ويسمّيهم النّاس بلنسيانا (١٧)، وبينهم وبين طرابلس صلح وهدنة (١٨)، فأمر الباشا

---

(٧) في ش: «من ذو».
(٨) ما بين القوسين ساقط من بقيّة الأصول.
(٩) في الأصول: «انقطع».
(١٠) في بقية الأصول: «بعض العدو».
(١١) هو باب الدّيوان الآن كما أشرنا.
(١٢) في الأصول: «رأس دار».
(١٣) يقصد مأجورين من الله.
(١٤) في ط: «فقبلت اسلامة في البحر من طرابلس لتونس».
(١٥) يقصد علي باشا الأول.
(١٦) سكّان البندقية بايطاليا، والمعروف في الجمع البنادقة.
(١٧) بلنسيان تحريف لكلمة venitiens نسبة إلى Venise التي يسمّونها البندقية وكتبها إبن أبي الضّيّاف في الإتحاف: «الفنسيان» ٣/ ٢٠.
(١٨) كانت البندقية تستغلّ الملح بمناطق زوارة، وكانت تقع بين سفنها وسفن المسلمين مناورات، واستمرّ ذلك مدّة طويلة إلى أن عقد في ١١ ديسمبر ١٧٦٤ اتفاق أولي صودق عليه في أفريل ١٧٦٥ بين طرابلس والبندقية يضبط =