للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان لسيدي عمر ثلاثة أولاد محمد وعثمان وعلي شايب الأذرعة.

فلمّا رجع سيدي عمر من تونس مجبور الخاطر عمّر زاوية أبيه، وربّي المريدين، وسار سيرة حسنة، وأتاه النّاس من كلّ جهة، وكان أهل الحامة يعتقدونه فيشتّي عندهم ببلد الحامة، كما كان والده يفعل ذلك، فلمّا خرجت الحامة على الحسن الحفصي / - حسبما مرّ - خرج لها بعساكره مرارا فلم يظفر منها بطائل. وكان سيدي علي دعا لأهلها فقال: الحامة حامية لأهلها ما (٦٣٤) لم يظهر فيهم الفسق وهتك حرمة الشّرع العزيز، فلمّا عجز الحسن عن الحامة أتى إلى الشّيخ سيدي عمر واستنجده بأن يسير لأهل الحامة ويطوّعهم ولهم الأمان التام، فقال له الشيخ: لا أفعل هذا لأنّك تخونهم وتسفك دماءهم وتستبيح أموالهم، فقال له: لا أخونهم وعاهده على ذلك وألحّ عليه في ذلك فأبى الشّيخ، فحلف أنّه لا يخونهم، فقال له الشّيخ: تخونهم ولا بدّ {كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً} (٦٣٥) فسار الشّيخ لأهل الحامة، فلمّا رأوه فرحوا به وقالوا له: هل لك من حاجة نفوز بقضائها؟ فعرّفهم بشأن الحسن وعهده وقسمه إن أطعتم لا يخونكم، ولكن {لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً} (٦٣٦) فقالوا له: أو يخوننا؟ قال:

نعم، فقالوا: نطيعه إكراما لكم، ويفعل الله ما يشاء. فقدم الحسن بعساكره ففتحت البلاد ولم يقاتله أحد منهم، فلمّا توسّط جيشه خان وفعل ما سوّلت له نفسه الأمّارة، فلمّا سمع الشّيخ بذلك إغتاظ ودعا عليه، وقال: أللهم كما أوحشني في أولادي فرّق بينه وبين أحبّته، وأعم بصره كما أعميت بصيرته، فلمّا رجع إلى مدينة تونس وقع منه ما تقدّم، ولمّا رجع لمحلّة ولده فعمى من حينه حسبما مرّ ذلك مفصّلا.

وسافر سيدي عمر لبلاد المشرق لحجّ البيت الحرام، فلمّا رجع من حجّه مات بوادي القصب وقبره / هناك معروف مزار، وكتب عند وفاته وصية لسيدي محمد الكراي وأوصاه بالقيام بالزّاوية والمحافظة على تقوى الله العظيم.

[ترجمة الشيخ محمد الكراي]

فلمّا وصلت الوصيّة قام بالأمر سيدي محمد، وسار في طريق القوم سيرة حسنة، فأتاه المريدون من جميع البلاد.


(٦٣٤) ساقطة من ط.
(٦٣٥) سورة الأحزاب: ٦.
(٦٣٦) سورة الأنفال: ٤٢.