للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أبو زكرياء يحيى]

وكان دخول المولى أبي زكرياء يحيى لتونس يوم الأربعاء الرابع والعشرين لرجب من سنة خمس وعشرين وستمائة (٣١) ولم يكن أهم لديه من القبض على أبي عمرو (٣٢) كاتب أخيه فأخذه وبسط عليه العذاب إلى أن مات ورميت جثته، وكان يغري أخاه به، ثم إن الأمير أبا زكرياء وجّه بأخيه أبي محمد عبو إلى المغرب في البحر.

ثم إن المأمون بعث عمّالا لتونس، فأنف من ذلك المولى أبو زكرياء يحيى المعتصم ابن النّاصر من بني عبد المؤمن، وهو حينئذ المنازع للمأمون في الخلافة بمراكش، وكتب المولى أبو زكرياء الحفصي إلى جميع بلاد افريقية بخلع أبي العلا المأمون، ثم أسقط المولى أبو زكرياء اسم المعتصم من الخطبة في بلاد افريقية، / واقتصر على الدّعاء للمهدي وللخلفاء الراشدين، وكان ذلك أول درجة في الاستبداد، وذلك أول سنة سبع وعشرين وستمائة (٣٣)، وسمّى نفسه بالأمير وكتبه في صدر كتبه، ولم يتعرّض لذلك في الخطبة سياسة منه واختبارا لأحوال افريقية، ثم أخذ لنفسه البيعة في العام المذكور بتونس وبلادها (٣٤)، وكتب علامته: «الحمد لله والشكر لله» وأبقى اسم المهدي في الخطبة وغيرها، ولم يذكر اسمه هو في الخطبة.

وكان فقيها (٣٥) عارفا ظريفا له شعر كثير مدوّن مع الجزالة في الأمر، وصلحت به البلاد، ورخصت الأسعار، وأمنت الطرق، وجمع من الأموال والسلاح ما لا جمعه أحد.

وفي السّنة المذكورة بنى المصلّى خارج باب المنارة من تونس، ولما استقل المولى أبو زكرياء بتونس، وخلع بيعة بني عبد المؤمن نهض إلى قسنطينة في سنة ثمان وعشرين


(٣١) ٣٠ جوان ١٢٢٨ م.
(٣٢) طرأ من الأندلس، واستكتبه أبو محمد فغلب على هواه، وكان يغريه بأخيه (تاريخ ابن خلدون ٦/ ٥٩٣ - ٥٩٤).
(٣٣) نوفمبر ١٢٢٩ م.
(٣٤) عما يتعلق بالأمير أبي زكرياء وأخيه عبو إلى أن استبد بالإمارة نقله المؤلف من تاريخ الدولتين ص: ٢١ - ٢٤ مع حذف ما له صلة بأخبار المغرب الأقصى.
(٣٥) تاريخ الدولتين ص: ٢٥ وانظر اتحاف أهل الزمان ١/ ١٥٦، وترجم له ابن شاكر الكتبي (ت.٧٦٤) في فوات الوفيات ٢/ ٦٣٢ - ٦٣٣ تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد القاهرة ١٩٥١.