للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مزايا أبي فارس]

وما مات - رحمه الله تعالى - حتى حصل له من الفتوحات كل عظيم، وطوّع العصاة والبغاة وفتح المدائن، ومهّد السّبل، وفي أوّل أيّامه أغزى أسطوله مدينة طرقونة بجزيرة صقليّة فافتتحها عنوة، وهدّم سورها وأتى منها بالغنائم الكثيرة والسّبي الكثير، وصار ملكه من طرابلس لأقصى المغرب، وأذلّ الله بعزه كل جبّار من العرب والبربر، وقد كان عرب افريقية قبله بالاختيار على ملوكها ويحاصرون المدائن، ويشاركون السّلطنة في مجابيها وله مع الأعراب وقائع شهيرة - مما أشرنا لبعضها - فقهرهم الله جلت قدرته بهذا السّلطان المؤيّد فصار يقودهم معه أجنادا في أعراض أسفاره شرقا وغربا بعد أن أباد أكثر أعيانهم ورؤوس مشايخهم، وصار يبعث قوّاده يتّبعون نجوع العرب لاستيفاء زكاة مواشيهم وهم صاغرون تحت السّمع والطّاعة مذعنون، فهو واسطة عقد بني حفص، ولقد ألّف مآثره صاحب كتاب «تحفة الأريب» (٣٩٣) فذكر منها كل غريب، فهو - رحمه الله تعالى - واسطة عقد بني حفص، واليه انتهى شرفهم، فهو غاية ارتفاع قوس شمس عزهم، ونهاية أوج ملك فخرهم، فمنه أخذ قوس شمس عزهم في الإنحطاط / حتى بلغ حضيض الاهانة والخسران في أيام الحسن وأولاده كما - يأتي إن شاء الله - وإنما أطلنا وأكثرنا بذكر مآثره لأنّها جميلة، والله يحب الجميل، فلذا استتبّعنا ما قدرنا عليه، ومن ثم وجب امساك عنان القلم عما بعده إلاّ بذكر أسمائهم إلاّ ما لا بد منه من أحوال الحسن وأبنائه لمسيس الحاجة الأكيدة إليه مما ستقف عليه - إن شاء الله تعالى -.

[أبو عبد الله محمد المنتصر]

وبعد وفاته (٣٩٤) - رحمه الله تعالى - قام بالأمر بعده حفيده ولد ولده وولي عهده أبو عبد الله محمّد المنتصر، ابن أبي عبد الله محمّد ابن السّلطان أبي فارس، بويع له بالخلافة في التّاريخ، ورحل بالمحلة بعد غسل جده وتكفينه، وبعث به إلى حضرة تونس


(٣٩٣) لعبد الله الترجمان وهو راهب اسباني أسلم بتونس، والكتاب مطبوع وهو صغير الحجم.
(٣٩٤) عن دولة السّلطان أبي فارس عبد العزيز انظر تاريخ الدولتين ص: ١١٤ - ١٣١ فقد نقل المؤلف ما فيه باختصار وزاد زيادات قليلة.