للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كتفه فأبطلها فازداد كسرا على فقره ولم يملك سوى ثوب قطن فباعه واشترى بثمنه ماعزا وقصد الشيخ شمس الدين الفاخوري بمدينة كش، وقد ربط بطرف حبل عنق الماعز وربط عنقه بالطرف الآخر وجعل يتشحّط على عصا من جريد حتى دخل على الشيخ فصادفه هو والفقراء مشغولين بالذّكر، فلم يزل قائما في صف النّعال حتى فرغوا مما هم فيه، فلمّا وقع نظر الشيخ عليه سارع إلى تقبيل يديه ورجليه فتفكّر الشيخ ساعة؛ ثم قال لتلامذته: هذا الرجل استمدّنا فيما لا يساوي عند الله جناح بعوضة، فنرى أن نمدّه ولا نحرمه، فأمدّوه بالدّعاء فدعوا له، ولمّا قدم خراسان اجتمع بالشيخ أبي بكر الخوافي فأكبّ على رجليه، فوضع الشيخ يديه على ظهره فقال تيمور: لولا أن الشيخ رفع يديه بسرعة لخلت (٣٠٥) أرتض، ولقد تصوّر لي أن السّماء وقعت على الأرض وأنا بينهما رضضت أشدّ رضّ، ثم إنه جلس بين يديه وقال: يا مولانا الشيخ فما تأمرون مملوككم أبا لعدل والإنصاف، وأن لا يميل إلى الجور والإعتساف؟ فقال له الشيخ: أمرناهم بذلك / فلم يأتمروا فسّلطناك عليهم، فخرج من فوره من عند الشيخ وهو يقول: ملكت الدنيا وربّ الكعبة، وكان كثيرا ما يقول بعد ذلك: كلّ ما نلته هو بدعوة الشيخ الفاخوري وهمّة الشيخ الخوّافي والسيد بركة (٣٠٦) فكان من أمره أن له رفقاء يتلصّصون ويقطعون الطريق ببلاد ما وراء النهر حتى شعر بهم السّلطان حسن حاكم هراة فظفر بهم، فبعد ضربه أمر بصلبه، وكان للسّلطان ولد رأيه غير متين يدعى الملك غياث الدين، فشفع فيه فقال له أبوه: هذا حرامي مادّة الفساد، لئن بقي ليخربن البلاد وليهلكنّ العباد، فقال له ابنه: وما عسى أن يصدر من نصف آدمي وقد أصيب بالدّواهي، فوهبه له، فوكّل به من داواه إلى أن اندمل جرحه، فكان في خدمته، فقرّبه وزوّجه بشقيقته فغاضبها في بعض الأيام فقتلها، فلم يسعه إلاّ الخروج والعصيان والتمرّد والطغيان، فكان من أمره ما كان، فاستصفى ممالك ما وراء النّهر، ثم شرع في استخلاص البلاد من ملوكها واسترقاق العباد، فدبّ في البلاد دبيب السّم في


(٣٠٥) لعلّ الأصوب «لبقيت أرتض».
(٣٠٦) أعطى المؤلف أهمية كبرى لهذه القصة التي هي من جملة الأساطير التي تتعلّق بتيمورلنك وجاء في دائرة المعارف الإسلامية في شأنها: «وقد غالى ابن عربشاه في الحطّ من شأن تيمور لنك، فقال إنه ابن راع من الرعاة، عاش أول حياته على السلب والنهب».١٠/ ٢٩٩.