للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أوّل حجر منه وهو حاضر أمر ناشبا كان بين / يديه أن يوتر قوسه ويقف على ذلك الحجر ويرمي بسهمه، ففعل الرّامي ذلك، فانتهى السّهم إلى المصلّى، ووقع قائما على نصله (١٠٣)، فقال المهدي: إلى ذلك الموضع ينتهى صاحب الحمار - يعني أبا يزيد - فقد كان وصول أبي يزيد إلى ذلك الموضع ولم يتجاوزه.

قال معلم الفتيان (١٠٤) في تاريخه: وأمر المهدي بقياس مسافة هذه الرّمية فكانت مائتي ذراع وثلاثا وثلاثين ذراعا، فقال المهدي: هذا منتهى ما تقيم المهديّة في أيدينا من السنين، قال: ولمّا تم بناء السّور هنّأه أولياؤه (١٠٥) بذلك، فقال لهم: ان جميع ما ترون انما عمل لساعة واحدة يعني ساعة وصول أبي يزيد إلى المهديّة - قال: وكان يقف على فرسه فيأمر الصّناع بما يصنعون، [قال] وأمر بعمل باب الحديد للمدينة فجعل صفائح مصمّتة من غير خشب ثم أثبتت فيها المسامير، فبقيت تتقلقل، فقال للصّناع:

ما عندكم في هذا، فقالوا: لا ندري، فأمرهم بتسميرها كذلك، ثم أمر بايقاد النّار تحت الباب كلّه حتى التهبت واتّصلت المسامير بالصفائح فعادت كلها قطعة واحدة.

ولمّا تمّ الباب على هذه الصفة أحب اختبار وزنه فكلهم أخبره أن لا سبيل إلى ذلك لفرط ثقله، فأمرهم أن يضعوا أحد مصراعيه على ظهر سفينة ففعلوا ذلك، ونظر إلى منتهى غوص السفينة في الماء، ثم أنزل وشحنت السّفينة بالرّمل والحجارة إلى أن / وصل منها ما وصل أولا، واستخرج الرّمل والحجارة منها فوزنا على كرّات، فكان وزن كل مصراع منهما مائة قنطار، وفي كثير من نسخ المؤرخين ألف قنطار، وكذا حكى أبو عبيد (١٠٦) في «المسالك» (١٠٧) ولمّا علموا قدره وحاولوا تحريكه (١٠٨) صعب عليهم فتحه واغلاقه، فلم تكن المائة من الرجال تستطيع ذلك، فأمر المهدي بأن يكون مداره على الزّجاج، فهان أمره وصار الرجل الواحد يتولّى منه ما كانت المائة تعجز عنه، فعجب من هذا كله ومن فطنة المهدي [ونفوذ فكرته] (١٠٩).


(١٠٣) في الأصول: «نعله» والمثبت من رحلة التجاني.
(١٠٤) النقل من الرحلة وتساءل حسن حسني عبد الوهاب محقق الرحلة: «لعله محرز بن خلف المعلم المتوفي سنة ٤١٣ هـ - ١٠٢٢ - ١٠٢٣ م».
(١٠٥) في ت وش: «ولايته»، وفي ط: «ولاته» والمثبت من الرحلة.
(١٠٦) أبي عبيد الله ابن عبد العزيز البكري.
(١٠٧) المسالك والممالك.
(١٠٨) في الرحلة: «تركيبه».
(١٠٩) اضافة من الرحلة.