للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واستخرج الخطّ كما يتعلّم الأطفال من غير داع يدعوه بل سوق إلاهي، فلمّا استمرّ على الخطّ صار لا يسمع بآية من كتاب الله واعظة زاجرة إلاّ كتبها، وكتب سورة «يس» و «المفصل»، وأضاف إلى ذلك مواعظ بعض الصّالحين ممّا يناسب تلك الآيات الكريمة كقوله:

[مجزوء الرمل]

إنّما الدّنيا كبيت ... نسجتها (٦٤٦) العنكبوت

إنّما يكفيك منها ... أيّها الرّاحل قوت

ثمّ بعد مدّة إنتقل لجربة، فحفر بها مغارة تحت الأرض كما فعل بصفاقس، ونزل بحفرها حتّى وصل الماء فوجده عذبا فصار يملأ منها ويسقي النّاس مجانا.

وله إشارات كثيرة، فمنها أنّه إذا ملأ الماء وصبّه على وجه الأرض إستبشر النّاس بقرب نزول الغيث، فإن صبّ كثيرا نزل الغيث الكثير، وإن صبّ قليلا نزل القليل، وإذا صرخ في الأسواق دلّ على نزول بلاء بالمسلمين / جرّب مرارا فصحّ، وكان يكثر الغلث (٦٤٧) في إشاراته ولا يفهمها إلاّ من مارسه، وربّما لا تفهم إشاراته إلاّ بعد وقوع ما أشار به، فمن إشاراته أنّه وقعت قرّة شديدة بالشّتاء بات النّاس منها في كرب فأصبح الشّيخ مصفرّ الوجه من شدّة البرد لأنّه كثيرا ما يدخل البحر لغسل ما يلحقه من الوسخ والقمل، فيأتي المحاويج (٦٤٨) فيأخذون ثيابه ولا يتركون منها إلاّ ما يواري السّوءة فيلبسه ويدخل الأسواق فيكسوه أهل الخير، فلما نزلت القرّة أذاه البرد أذى شديدا، فجاء وجلس بجانبي واشتكى البرد وتمنّى ما يقي به مهجته من الثّياب، وكنت في شغل، فخطر في بالي أنّي إذا أفضيت (٦٤٩) أذهب إلى محلّي أعطيه برنسا قديما كان عندي، فما استتممت الخاطر إلاّ وهو ينادي، وكان يسمّيني بسيدي عبد العزيز التّبّاع، وقال لي: هل تعرف مناسك الحج؟ فقلت: نعم! فقال: كم أركانه؟ فقلت: قل نسمع، وقلت: لعلّه يتكلّم بكلام غير ما يقوله (٦٥٠) الفقهاء، فقال: هي أربعة، فقلت: نعم، وهي كذلك، فقال:

أوّلها الإحرام، والإحرام يمنع المخيط بالعضو، فقلت: نعم، ثمّ دخل وخرج وزاد في


(٦٤٦) في الأصول: «أنسجتها».
(٦٤٧) أي التخليط.
(٦٤٨) ج محتاج.
(٦٤٩) أي صار لي من الوقت فراغ.
(٦٥٠) في الأصول: «يقله».