للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسألة الكلام، وقال: كيف تقولون بقدم كلام الله، والله يقول: ذكر محدث (٦٥٧) فأجبته بأن الحدوث في تنزيله ولا يلزم منه حدوثه في نفسه فإنّ المعنى القائم بالذّات الأقدس باق على ما هو عليه من القدم، والحادث هو التّنزيل على أنّ النّازل اللّفظ الدّال عليه، ونزول اللّفظ الدّال نزول المعنى من حيث الدّلالة، فالحادث والنّازل هو اللفظ، ثمّ أكثر من تخليطاتهم، وأجبته عمّا سأل فخرج وانصرف وبقيت كالمتفكّر في هذا المذهب وفي حال أهله، وتعجّبت من قوم يرغبون بأنفسهم عن المنهج القويم ويرضون لأنفسهم بشنائع البدع، فما مضت ساعة أو ساعتان فإذا به قادم من السّوق كأنّه طالب لأمر أو كأنّ سائقا يسوقه وهو يتلو قوله تعالى {قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} (٦٥٨) {وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (٦٥٩) فحمدت الله وازددت يقينا وتحقّقت أنّ مذهب السّنّة لا يعلمه إلاّ خواص خلق الله، ورسخت مسائل السّنّة في قلبي رسوخا أغنى عن الدّليل من حيث أنّ الله أطلع هذا الشّيخ عن هذا الخاطر وألهمه للنّطق بهذه الآية الكريمة المناسبة لحال ما كنّا فيه، وتبيّن لي أنّه من الرّجال العارفين بالله، القائمين على الحقّ ومذهب السّنّة.

ومنها أنّي كنت متوجّها لبرّ المشرق (٦٦٠) فجاء بعض الإخوان وقال لي: قم لنأخذ خاطر الشّيخ وتحصل لنا بركة زيارته، ومن عادته أنّه لا يحب من يأتيه لمكانه مخافة كثرة النّاس عليه، ولأنّه إذا كشف الله له عن شيء من حال أحد وسخّره الله للإعلام به قصده وأشار إليه من غير أن يتعرّض له السائل وإن لم يطلعه أو لم يسخّره فلا فائدة في السّؤال، فلمّا رآنا قادمين عليه أظهر الإعراض عنّا وكأنّه ما رآنا ولا عرفنا قطّ، وكان كثيرا ما ينشد كلام العارفين بالله ويتواجد بذلك، وكان رفيقي يعرف من ذلك الكلام الّذي يقوله الشّيخ ويتواجد به، فلمّا رآى إعراض الشّيخ تكلّم صاحبي بذلك الكلام على الصّناعة الّتي يقول الشّيخ بها فإذا بالشّيخ تلقّف ذلك الكلام وصار يقول هو بنفسه واعتراه حال وتمادى في كلامه وحاله، فلمّا فرغ وسكن ما به إنبسط لنا بعض انبساط فعند ذلك قال له / زوّد أخانا هذا صالح دعائك، فإنه متوجّه للسّفر، فقال: أعطاه


(٦٥٧) مستوحاة من الآية ٢، سورة الأنبياء، أو من الآية ٥، سورة الشّعراء.
(٦٥٨) سورة لقمان: ٢٥.
(٦٥٩) سورة يوسف: ٢١.
(٦٦٠) في ش: «إلى المشرق».