للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشّيخ من طرابلس كنت بالباب الجبلي نكتري أجراء (٦٦٩) لحصاد الزّرع فاكتريت جماعة، فقال لي رجل حاضر: زد معهم هذا الطرابلسي، فقلت له: أتطلع (٦٧٠) مع النّاس؟ فقال: نعم، فطلع وعمل مع النّاس، فلمّا حضر الأكل إمتنع من الأكل فسأله بعض النّاس فقال: هذا طعام / لجماعة ولم يخصني بشيء فلا آكل، فتورّع حيث لم يعيّن له طعاما يخصّه، قال: وبات الليل كلّه مع من لا يرى، فلمّا قدم بعض الأجراء قال: أنت اكتريت رجلا وليّا من أولياء الله شاهدنا من أحوال هذا الرّجل ما لم نشاهد من أحوال النّاس.

وقال أيضا: كلّما أقام عندي لم يأكل شيئا من مشتهيات الأطعمة، وقد يقيم العشرة الأيّام وأكثر بلا أكل ولا شرب ولا ينتقل عن موضعه، وربما مشى كمشي المقيّد ولا يتكلّم بكلمة واحدة، وإذا طلب الأكل أكل ما حضر من ميسور الطّعام، وقد يأكل في بعض الأحيان أكلا ذريعا ويشرب كثيرا خارجا عن المعتاد.

وكان على الضّدّ من الشّيخ سيدي سعيد حريز، فإذا قدم على محلّ دلّ على حدوث أمر مكروه: موت أو مرض أو غير ذلك، فهو واقف في باب النذارة، والشّيخ حريز في باب البشارة، وكان كثيرا ما يلازم سقائف الحمّامات ومستوقداتها، ودخل عليه سيدي سعيد حريز يوما فضرب الشّيخ التّاجوري ضربا وجيعا فأخذ الشّيخ التّاجوري حجرا عظيما فرماه به وقال: أنت في بسط ولبس الملف (٦٧١) وأنا في حالتي هذه وتزيد عليّ، وذلك لأنّ الغالب على الشّيخ التاجوري القبض والاسقام. وكان مكشوف الرّأس حافي الرّجل كثيرا ما يتّزر ويتردّى بفوط الحمّام، وقد يحلق جميع شعر رأسه وذقنه وشاربه حتّى لا يبقى فيها شعرة واحدة.

وله إشارات / كثيرة، فمنها أنّه عرضت لنا مسئلة تعسّر على إخواننا فهمها لكثرة شبهها، فطلبوا منّي تحريرها على وجه يزيل الشّكوك والشّبه، فكتبت بقدر الإستطاعة، فلمّا فرغت من الكتابة وقف عليّ وقال: إسقني الماء فإنّي عطشان، فأتيته بشيء من الماء العذب الطيّب فأخذه بيده وردّه وقال: هذا غير سائغ أريد غيره وذهب عنّي، فلمّا


(٦٦٩) العادة القديمة أن إبّان موسم الحصاد يقف الرّاغبون في العمل أمام باب الجبلي، وهو مدخل من يأتي من الضّواحي، ويكتري كلّ واحد ما يشاء من العملة لحصاد زرعه بعد الإتفاق على الأجر اليومي، وهذه العادة انقرضت منذ عشرات السّنين.
(٦٧٠) كلمة تشير في لغة صفاقس إلى الذّهاب إلى الأرض الفلاحية للعمل بها.
(٦٧١) الملف قماش صنعته صفاقس في حياتها الأولى ثمّ صارت تستورده.