للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وزاحمت اليونان فيما كان بأيديهم من الممالك، انتقل اليونان إلى أرض الأندلس لكونها طرفا في آخر العمارة، ولم يكن لها ذكر يومئذ ولا ملكها أحد من الملوك، ولا كانت عامرة في الغاية إلا ما عمّره فيها أندلس بن يافث - كما تقدم -.

وفي بعض التواريخ نقلا عن المسعودي (٧) في «مروج الذهب» أن الناس تنازعوا في نسب اليونان، فذهبت طائفة إلى أنهم ينتمون إلى الرّوم، ويضافون إلى العيص بن إسحاق، وقالت طائفة إن يونان من أولاد يافث بن نوح - عليه السلام -، وذهب قوم (٨) إلى أنهم جبل متقدم في الزمن الأول، ينتمون إلى جدّهم ابراهيم - عليه السلام -، لأن الديار كانت مشتركة، والمواطن كانت متساوية، وكان الروم قد شاركوا القوم / في السّجيّة والمذهب، فلذلك غلط من غلط في النسبة، وجعل الأب واحدا (٩).

وكانت اليونان من أعقل الناس، وجميع العلوم العقليّة مأخوذة عنهم، مثل العلوم المنطقيّة والطبيعيّة والإلاهية والرّياضية، وكانت خزائن ملوكهم بقبرس، فحملت إلى المأمون، فأمر بنقلها إلى العربية، فهي التي في أيدي الناس اليوم من العلوم المذكورة.

والعالم بهذه العلوم يسمّى فيلسوفا أي (محب للحكمة) (١٠) وكانت ملوكهم من أعظم الملوك، حتى غلبت عليهم الروم، قيل كان (١١) مسكنهم على الخليج القسطنطيني، من شرقيه وغربيه إلى البحر المحيط.

وذكر المسعودي: أن يونان أخو قحطان، وأنه من ولد عابر أخي أرفخشد، وأنه انفصل عن ديار أخيه في جماعة من أهله وولده، فخرج من أرض اليمن، حتى وافى المغرب، فأقام هناك، ونسل في تلك الأماكن، واستعجم لسانه فنسي نسبه (١٢).

وكانت عمارة الأرض بعد الطوفان على شكل طائر رأسه المشرق، ورجلاه الشمال والجنوب، وما بينهما بطنه، والمغرب ذنبه، فكانوا يزدرون المغرب لنسبته لإخراج الطائر.

وكانت اليونان لا ترى فناء الأمم بالحروب لما فيه من الأضرار والاشتغال عن العلوم


(٧) أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي توفي في سنة ٣٤٧/ ٩٥٨. وكتابه في التاريخ هو «مروج الذهب ومعادن الجوهر» والنسخة المعتمدة طبعة مصر، ١٣٦٧/ ١٩٤٨، ١/ ١٨٥.
(٨) ساقطة من ت.
(٩) إلى هنا ينتهي كلام المسعودي.
(١٠) في ت: «يحب الحكمة» وفي ط: «صاحب حكمة».
(١١) في ت: «كان مسكنهم في الزمان السابق».
(١٢) مروج الذهب، ١/ ٢٨٥.