للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بها إلى موضع الحجر - بسكون الجيم -، فأنزلهما فيه، وأمرهما أن يتخذا عريشا، ثم انصرف فتبعته هاجر فقالت: أمرك بهذا ربّك؟ قال: نعم. قالت: اذن لا يضيعنا، فرجعت عنه وكان معها شن ماء فنفذ، فعطشت وعطش ولدها، حتى نزلت في الوادي، فغابت عنه فهرولت حتى صعدت الجانب الآخر وهو موضع الصّفاء فرأته واستمرت إلى أن صعدت مكان المروة فما رأت أحدا وتردّدت كذلك سبعا، فعادت إلى ولدها وقد نزل جبريل - عليه السلام - فضرب موضع زمزم بجناحه فنبع الماء، فبادرت هاجر إليه وحبسته من السيلان كي لا يضيع (٤٢). روي لولا أنها / حبسته لكانت عينا معينا، فشربت وأروت ولدها وقال لها جبريل: لا تخافي الضّيعة فإن هنا بيتا لله يبنيه هذا الغلام وأبوه، فإن الله لا يضيع أهله».

قال الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي في «تفسيره» (٤٣): لا يجوز لأحد أن يتعلق بهذا في جواز طرح ولده وعياله بأرض مضيعة اتكالا على الله العزيز الرحيم، واقتداء بفعل ابراهيم - عليه السّلام - فإنه فعل ذلك بأمر الله اهـ‍ (٤٤). ولأنه قيل إن ابراهيم - عليه السّلام - سخّر الله له البراق، فكان ابراهيم يركبه متى أراد فيتفقدهما ويرجع من ساعته (٤٥).

ثم إنه مرت فرقة من جرهم قبيلة من عرب اليمن كانوا قاصدين الشّام، فاستاذنوا هاجر في المقام معها ليؤنسوها، ويشربون من زمزم على جهة الفضل على أن الماء ماؤها فأذنت (لهم بذلك) (٤٦) ثم شب اسماعيل وتزوج منهم (٤٧) وتكلم بلسانهم لنشأته معهم، فتعرّب وولد من بنات جرهم أولادا يتكلمون بلغة جرهم، فمن ثم يقال لبني اسماعيل:

العرب المستعربة، ويقال لجرهم وقحطان: العرب العاربة، والعرب العرباء، وكان لسان ابراهيم عبرانيا، ولسان اسماعيل عربيا.


(٤٢) عن قصص الأنبياء بتصرف ص: ٦٢ - ٦٣.
(٤٣) القرطبي، ينقل عنه بواسطة الثعلبي.
(٤٤) انتهى نقله من قصص الأنبياء ص: ٥٥ - ٦٤.
(٤٥) في ت: «ويرجع إلى مقره من ساعته».
(٤٦) ساقطة من ش وط.
(٤٧) قصص الأنبياء ص: ٦٣.