للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله، وهي على شاطئ البحر، (قرب مدينة تسمى ترشيش) (١٦٧)، وهي من مدينة القيروان على مائة ميل وميل، فمشى حسّان حتى نزل على مدينتهم ترشيش، ووجه خيله إلى قرطاجنّة ولم يكن فيها بحر، فضيق عليهم حسّان، وتواقف القوم فاقتتلوا قتالا شديدا فقتل رجالهم وفرسانهم.

واجتمع رأي الروم على أن يهربوا في البحر في سفن كثيرة، فحملوا فيها، فمنهم من هرب إلى صقلية ومنهم من هرب إلى الأندلس، فدخلها حسان بالسيف فسباها وغنم ما فيها وقتل الرجال وأرسل إلى ما حولها من العمران فاجتمعوا إليه مسرعين خوفا منه، فأمرهم بهدم قرطاجنة وقطع القناة عنها، ثم اجتمع عليه الروم وعقدوا عليه عسكرا عظيما لا يعلمه إلاّ الله، ومعهم البربر وذلك بموضع يسمّى سطفورة (١٦٨)، فزحف إليهم حسّان وقاتلهم قتالا شديدا، وأصيب من أصحابه رجال كثيرون - رضي الله تعالى عنهم -.

ثم ضرب الله في وجوه الروم والبربر، فانهزموا بعد بلاء عظيم، فقتلهم حسّان / قتلا ذريعا، واستأصلهم وحمل بأعنّة الخيل عليهم فما ترك في بلادهم موضعا إلاّ وطأه بخيله، ولجأ بقية الرّوم خائفين هاربين إلى مدينة باجة، فتحصنوا فيها، وهرب البربر (١٦٩) إلى إقليم بونة، واخترق حسان البحر فاحتفره وجعل دار (صناعة لإنشاء المراكب (١٧٠) وأخرج البحر إليها - حسبما مرّ - ثم انصرف إلى مدينة القيروان فأقام بها حتى برئت جراح أصحابه.

ثم سأل حسان عن أعظم ملك بإفريقية، فقيل له ليس بإفريقية أعظم قدرا ولا أبعد صيتا ولا أشد حربا من امرأة يقال لها الكاهنة (وهي كاهنة لواتة) (١٧١) وهي في جبل أوراس (١٧٢)، وجميع من بإفريقية يخافها والرّوم سامعون لها مطيعون، فإن قتلتها يئس الروم والبربر من افريقية فإنها لهم ملجأ. فلما سمع ذلك حسان عزم على غزوها، فخرج إليها بجيوشه، فلما بلغ موضعا يقال له مجّانة نزل به وكانت قلعة مجانة لم


(١٦٧) تفسير من المؤلف إذ أن معالم الإيمان تفهم القارئ أن ترشيش هي قرطاجنة إذ أن «ترشيش» هو إسم مدينة تونس القديم.
(١٦٨) هي في بعض ولاية بنزرت.
(١٦٩) في الأصول: «الروم» والمثبت من المعالم ١/ ٦١.
(١٧٠) في المعالم: «دار الصناعة».
(١٧١) تفسير من المؤلف.
(١٧٢) في الأصول: «أوراسن» والمثبت من المعالم ١/ ٦١.