للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ملّة، وكان يعظّم علماء كلّ ملّة مسلمين ويهود ونصارى ومجوس، فلم يتعرّض لأحد في دينه، ولم يكن لقومه ملّة ولا كتاب، فأمر أكابره فوضعوا له قلما يسمّى «قلم العقل»، وجعلوا له كتابا يسمّى «إلياسي الكبير»، فجعل له ملّة على ما خيّل له شيطانه، فمن أحكامه صلب السّارق وخنق الزاني، وان شهد عليه واحد، وان السابق بالشكوى على الحق مطلقا، واستعباد الأحرار، وعدم العدة، ونكاح الرجل ما شاء فلا ينحصر في أربع، والأخذ بقول الجواري والصبيان، وغير ذلك من الأوهام، وكرسي مملكته قراقروم، ولمّا استقرّ أمره توجّه لمحاربة السّلطان خوارزم شاه (٢٦٨) من سلاطين الخلفاء العباسية، وقاتله مرارا حتى غلبه وقتله (٢٦٩)، ثم خرج بعساكره المختلطة من كلّ الأديان واستولوا على ما توجّهوا إليه من بلاد الإسلام حتى انتهوا إلى بخارى سنة سبع عشرة وستمائة (٢٧٠)، فجمع العلماء والعباد والصّلحاء والزهاد، ودخل جنكز خان المدينة حتى انتهى إلى باب الجامع فقال: هذا بيت السّلطان لما رأى من حسنه، فقالوا: بل بيت الرّحمان فنزل عن دابّته وكذلك جماعته، واستدعى الخمور والطّبول والمزامير، فجلس مع كفّاره في مجالس العلم والعلماء واستمرّوا على شرب الخمور، والعلماء حاضرون مقهورون، ثم أدخلوا الخيل / إلى المسجد الجامع وربطوا لها مرابط وبقيت الكتب والمصاحف تحت أرجل الخيل والحمير والبغال، ثم استخلص مال الناس وأمر بقتلهم وأسّر النساء والأطفال، ثم أمر بالنهب وهدّم البلاد، ثم توّجهوا لسمرقند وفعلوا بها كذلك، ثم استمرّ على عراق العجم فأهلكوا أمّهات الأمصار فضلا عن القرى ثم مات جنكز الخبيث بعد ما أهلك الأرض سنة أربع وعشرين وستمائة (٢٧١)، ومدّة ملكه ثلاثة وعشرون سنة.

وخلّف عدة أولاد فرّق بينهم البلاد، وأوصى بالتخت لولده الصغير تولي خان (٢٧٢)، فقام أبناؤه الخباث على ما كان عليه أبوهم من التخريب والإفساد.


(٢٦٨) خوارزم شاه محمد بن تكش.
(٢٦٩) لم يقتل بن إن التتر تتّبعوه وهو هارب إلى أن وصل إلى جزيرة في بحر طبرستان فأقام بها وطرقه المرض. . . ثم هلك بها في سنة ٦١٧ هـ - ١٢٢٠ - ١٢٢١ م أنظر ابن خلدون: كتاب العبر ٥/ ٢٣٦ - ٢٣٨.
(٢٧٠) ١٢٢٠ - ١٢٢١ م، أنظر عن مسير التتر إلى أذربيجان كتاب العبر ٥/ ٢٤٤ - ٢٤٧.
(٢٧١) ١٢٢٦ م.
(٢٧٢) كذا في الأصول: «تولي» وفي كتاب العبر ٥/ ١١٢٠: «طولي» وقال: «طولى بين التاء والطاء» وعن أولاد جنكيز خان وتقسيم الممالك بينهم، أنظر كتاب العبر ٥/ ١١٢١.