للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الأولى ثم لا يزال كذلك إلى أن يصير القمر في وتد الأرض فحينئذ ينتهي المدّ منتهاه في المرة الثانية في ذلك الموضع ثم يبتدئ بالجزر والرّجوع ولا يزال كذلك حتى يبلغ القمر أفق مشرق ذلك الموضع فيعود المدّ إلى مثل ما كان عليه أولا فيكون في كل يوم وليلة بمقدار سير القمر فيهما في ذلك البحر مدّان وجزران (٣٨) انتهى، والله أعلم.

ثم قال: وأمّا هيجانها فكهيجان الأخلاط في الأبدان فإنك ترى صاحب الدم (والصفراء وغيرها) (٣٩) (عند نزول حمى أو غيرها) (٤٠) يهتاج به الخلط ثم يسكن قليلا قليلا، (فللبحر موادّ تمدّه حالا فحالا فإذا قويت هاجت ثم تسكن قليلا قليلا) (٤١) وقد عبّر النبي صلّى الله عليه وسلم عن ذلك بعبارة لطيفة فقال: إن الملك الموكل بالبحر يضع رجله في البحر (٤٢) فيكون منه المدّ ثم يرفع فيكون منه الجزر. انتهى (٤٣). قلت: ولا مانع من إرادة الحقيقة إذ العقل يجيزه، وما أخبر به الصادق ولم يكن لحمله على حقيقته وظاهره مانع فالحمل عليه أولى، أما مع وجود المانع الصارف فالعمل على مقتضاه واجب، ثم أن في الخمس الأول (٤٤) من الشهر والعشر الوسطى والخمس الأخيرة يقوى المدّ والجزر، وتسمّى تلك الأيّام أيّام حياة البحر وفيما عدا (٤٥) ذلك يقلّ ذلك فتسمّى تلك الأيّام أيام موته، وهذا الجزر والمدّ لا يظهر غاية الظّهور إلا في أقاصير البحار، ولصيّادي السّمك خبرة زائدة بذلك، لأن اصطيادهم يتيسّر في مدّة الحياة، لأن السّمك يدخل مع قوّة دخول الماء فيحصل فيما نصبوا (٤٦) له من الأعمال المعدّة لاصطياده، فإذا جزر الماء نزلوا فأخذوا ما حصل (٤٧) في مصائدهم (٤٨)، والظّاهر أن


(٣٨) أنظر عجائب المخلوقات، ١/ ٣١ - ٣٢.
(٣٩) في الأصول: «صاحب الدّم الأصفر أو غيره» والمثبت من عجائب المخلوقات.
(٤٠) اضافة من المؤلف بالنسبة لعجائب المخلوقات.
(٤١) اضافة من المؤلف بالنسبة لعجائب المخلوقات.
(٤٢) هكذا في ت وش، وفي ط وعجائب المخلوقات: «بالبحر».
(٤٣) النقل من عجائب المخلوقات ١/ ١٨٦.
(٤٤) هكذا في ش وط، وفي ت: «الأولى».
(٤٥) هكذا في ط، وفي ت وش: «وفي عدى».
(٤٦) في ت وط: «نصبوه».
(٤٧) في ت: «ما حصل لهم».
(٤٨) تلك هي أهم طريقة لصيد السّمك على سواحل صفاقس في الماضي، وكذلك في جزر قرقنة وجربة والسواحل القصيرة الأخرى من خليج قابس حيث المدّ والجزر قويّان، وهي طرق يعلمها المؤلف ونرى أنه عممها على كل المناطق الساحلية كما نفهم من نصّه.