للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بحضور جماعة من العلماء، فأجاب الملك إلى ذلك، وكان ابن تومرت وأصحابه مقيمين بمسجد خراب خارج البلد، فطلبهم، فلمّا ضمّهم المجلس قال الملك لعلماء بلده اسألوا هذا الرجل ما يبغي منّا، فانتدب إليه قاضي المريّة محمد بن أسود فقال: ما هذا الذي يذكر عنك من الأقوال في حق الملك العادل الحليم المنقاد إلى الحق المؤثر طاعة الله على هواه؟ فقال له ابن تومرت: ما نقل عنّي فقد قلته ولي من ورائه أقوال، وأما قولك انه يؤثر طاعة الله / على هواه وينقاد إلى الحق فقد حضر اعتبار صحة هذا القول [عنه] ليعلم بتعريّه عن (٤٢) هذه الصّفة أنه مغرور بما تقولون له، مع علمكم (٤٣) أن الحجة عليكم (٤٤) فهل بلغك يا قاضي أن الخمر يباع جهارا، وتمشي الخنازير بين المسلمين، وتؤخذ أموال اليتامى؟ وعدّد من ذلك شيئا كثيرا.

فلمّا سمع الملك ذلك ذرفت عيناه وأطرق حياء، ففهم الحاضرون من فحوى كلامه أنه طامع في المملكة، ولمّا رأوا سكوت الملك وانخداعه لكلامه لم يتكلّم أحد منهم، فقال مالك بن وهيب، وكان كثير الاجتراء على الملك مخاطبا له فيما بينه وبينه:

إن عندي لنصيحة إن فعلتها حمدت عاقبتها، فقال الملك: وما هي؟ فقال: إني خائف عليك من هذا الرّجل، (فاني أظنه صاحب الدرهم المربع - لأنه كان ينظر في علم النجوم -) (٤٥) ثم قال له: أرى أن تعتقله وأصحابه وتنفق عليه كلّ يوم دينارا لتكفي شرّه وان لم تفعل ذلك لتنفقن عليه خزائنك، ثم لا ينفعك ذلك فوافقه الملك، ثم قال له (٤٦): يقبح عليك أن تبكي من موعظة هذا الرّجل ثم تسيء إليه في مجلس واحد، وأن يظهر منك الخوف منه مع عظم ملكك، وهو رجل فقير لا يملك سدّ جوعته، فلمّا سمع الملك كلامه أخذته عزّة النفس واستهون أمره وصرفه وسأله الدعاء.

ولمّا خرج من عند الملك لم يزل وجهه تلقاء وجه؟؟؟ الملك إلى أن فارقه / فقيل له:

نراك قد تأدّبت مع الملك إذ لم توله ظهرك، فقال: أردت أن لا يفارق وجهي الباطل ما استطعت حتى أغيره.

فلمّا خرج ابن تومرت وأصحابه من عند الملك قال لهم: لا مقام لنا بمرّاكش مع


(٤٢) في الأصول: «من».
(٤٣) كذا في ط والوفيات، وفي ش: «علمه».
(٤٤) في الأصول: «عليه».
(٤٥) زيادة عما هو موجود بالوفيات وموجودة بتاريخ الدّولتين للزّركشي ص: ٥ وكتاب العبر لابن خلدون ٦/ ٤٦٩.
(٤٦) «فقال له وزيره».