للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحكمة وقرآنا، فلمّا أصبح فعل ذلك، فانقاد له كلّ صعب القياد، وعجبوا من حاله وحفظه القرآن في النّوم، فقال له ابن تومرت: فعجّل لنا البشرى في أنفسنا وعرفنا أسعداء نحن أم أشقياء؟ فقال له: أما أنت فانك المهدي القائم بأمر الله / فمن تبعك سعد ومن خالفك هلك، ثم قال: اعرض عليّ أصحابك حتّى أميّز أهل الجنّة من أهل النّار، وعمل في ذلك حيلة فقتل بها من خالف ابن تومرت، وأبقى من أطاعه، قال ابن خلكان (٧٧): وشرح ذلك يطول، وكان غرضه أن لا يبقى في الجبل مخالف لابن تومرت، فلمّا قتل من خالفه علم ابن تومرت أن في الباقين من له أهل وأقارب قتلوا وأنه لا تطيب قلوبهم بذلك، فجمعهم وبشّرهم بانتقال ملك مرّاكش إليهم، واغتنامهم أموالهم، فسرّهم ذلك وسلاّهم عن أهلهم، (وقد تقدم ما أمرهم به من اتّخاذ مرابط للخيل التي يغنموها، وكلّ ينال بقدر ما أعد) (٧٨).

ولم يزل ابن تومرت حتى جهّز جيشا عدد رجاله عشرة آلاف ما بين فارس وراجل، (وقيل عدة الأفراس أربعين، وقيل أربعمائة) (٧٩) وفيهم عبد المؤمن والونشريسي (٧٤) وأصحابه كلّهم، وأقام هو بالجبل، فنزل القوم لحصار مرّاكش، وأقاموا عليها شهرا، (ثمّ خرج إليهم الملك بمن معه وصابرهم الحرب خارج الحصن) (٨٠) فكسّرهم كسرة فاحشة وقتل الونشريسي (٨١)، ونجا عبد المؤمن ورجعوا إلى الجبل وقد بلغ خبرهم لابن تومرت وحضرته الوفاة قبل وصولهم إليه، فأوصى من حضر أن يبلّغ الغائبين أن النّصر لهم، وأن العاقبة حميدة، فلا يضجروا وليعاودوا القتال، وأن الله تعالى سيفتح على أيديهم، والحرب سجال، وأنكم ستقوون وتعلون وتكثرون، وأنتم في مبدإ أمر وهم في آخره» (٨٢).

وكان يقول: «إن مثل هذا الأمر كالفجر يتقدمه / الفجر الكاذب وبعده ينبلج الصّبح ويستعلي الضوء» (٨٣) وهذه الوقعة أتت على معظم أصحابه، وكادت تمحو أثره إلاّ أن لله مشيئته هو منفذها {وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (٨٤).


(٧٧) الوفيات ٥/ ٥٣.
(٧٨) زيادة عما هو موجود بالوفيات.
(٧٩) زيادة عن الوفيات من تاريخ الدولتين ص: ٧.
(٨٠) زيادة عن الوفيات، نقلها المؤلف بتصرف عن تاريخ الدولتين ص: ٧.
(٨١) في الأصول: «الونشريشي».
(٨٢) ابن خلكان الوفيات ٥/ ٥٢ - ٥٣.
(٨٣) انظر الاستقصا للناصري ٢/ ٨١.
(٨٤) سورة يوسف: ٢١.