للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصبرت الرجال، فأمر الأمير يعقوب فرسان / الموحدين وأمراء العرب أن يحملوا ففعلوا، وانهزم الافرنج وعمل فيهم السّيف فاستأصلهم قتلا، وما نجا (١٧٦) ملكهم الا في نفر يسير، ولولا دخول الليل لم يبق منهم أحد، وغنم المسلمون أموالهم، حتى قيل ان الذي حمل (١٧٧) لبيت المال من دروعهم ستّون ألف درع، وأما الدّواب على اختلاف أنواعها فلم يحص لها عدد، ولم يسمع في بلاد الأندلس بكسرة مثلها (١٧٨).

ومن عادة الموحدين أنهم لا يأسرون مشركا محاربا ان ظفروا به ولو كان ملكا عظيما، بل تضرب رقابهم قلّوا أو كثروا، فلما أصبح جيش المسلمين اتبعوهم فألفوهم قد أخلوا (١٧٩) قلعة رباح لما داخلهم من الرّعب، فملكها الأمير يعقوب وجعل فيها واليا وجيشا، ولكثرة ما حصل له من الغنائم لم يمكنه الدّخول إلى بلاد الافرنج في ذلك الوقت، فعاد إلى مدينة طليطلة وحاصرها وقاتلها أشدّ القتال، وقطع أشجارها وشن الغارات على بلادها، وأخذ من أعمالها حصونا كثيرة وقتل رجالها وسبي حريمها وخرّب مبانيها وهدّم أسوارها، وترك الافرنج في أسوء حال، ولم يبرز إليه أحد من المقاتلة.

ثم رجع إلى اشبيلية وأقام بها إلى سنة ثلاث وتسعين (١٨٠)، فعاد إلى بلاد الافرنج مرّة ثالثة، وفعل بها كفعله المتقدم، فلم يبق للافرنج قدرة على لقائه وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فأرسلوا إليه يلتمسون الصّلح، فأجابهم إلى ذلك لما اتصل به من أخبار يحيى بن اسحاق (١٨١) / الميورقي ابن غانية لما دخل افريقية عند اشتغال الأمير يعقوب بجهاد الأندلس ثلاث سنين، فأوقع الصلح بينه وبين ملوك الافرنج بالأندلس


(١٧٦) في ش: «نجى».
(١٧٧) في الوفيات: «حصل».
(١٧٨) وهذه الوقعة تعرف بوقعة الارك. قال عبد الواحد المراكشي في «المعجب» ص: ٢٨٣: «وكانت هذه الهزيمة أختا لهزيمة «الزّلاقة» وسيذكرها المؤلف بعد قليل.
(١٧٩) في الأصول: «دخلوا».
(١٨٠) ١١٩٦ - ١١٩٧ م.
(١٨١) في الوفيات: «علي بن اسحاق» وعلي هو أخ يحيى، وجاء في رحلة التجاني: «وفي مياومة الفاضل ابن البيساني أن الخبر وصلهم في جمادى الاخرى من سنة خمس وثمانين ان يحيى بن اسحاق الميورقي وأبا زياد المغربي دخلا إلى جزيرة باشو بقرب من تونس واستأصلا أهلها فانتقلوا إلى تونس ودخلوا حفاة عراة فمات منهم بالجوع والبرد والانقطاع نحو اثني عشر ألفا، هكذا ذكر الفاضل ان ذلك من فعل يحيى بن اسحاق وفي الحديث المتقدم ان ذلك من فعل علي بن اسحاق أخيه فيمكن أن تكون قضية واحدة وقع الغلط في نسبتها ويمكن أن تكونا قضيتين وهذا هو الظاهر فان سنة اثنين وثمانين على ما ذكر ابن شدّاد انما كان الأمر فيها لعلي ابن اسحاق وبعده ولي أخوه يحيى والله أعلم» ص: ١٤ - ١٥.