للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأحاسي» (١٩) وهي على عشرة أميال من المهديّة، ونزل قائده عبد الرحمان وجرجير إلى الجزيرة، وضربت لهما ولمقدمي الافرنج مضارب هنالك، وكان وصولهم آخر النهار فخرج منهم إلى البر تلك الليلة خلق كثير وانبسطوا حتى بعدوا عن البحر أميالا ثم عادوا إلى الجزيرة، ووصل القائدان في اليوم الثاني في البحر في بعض / قطعهم إلى المهديّة فأطافا بها وانتهيا إلى ساحل زويلة فهالهما (٢٠) ما رأيا بالأسوار والسّواحل من النّاس وانصرفا عائدين إلى الجزيرة، فوجدا طائفة من العرب ومن الأجناد قد دخلوا إليها وكشفوا من كان بها من الرّوم عن مواضعهم، وقتلوا منهم قوما وانتهبوا أسلحتهم.

فلمّا كان اليوم الثالث تمكّن النّصارى من القصر المعروف بقصر الدّيماس، وحصل به زهاء (٢١) مائة منهم باعانة بعض الأعراب لهم على ذلك لما مناهم به عبد الرّحمان وصاحبه، وقد كان لجار أمرهما (٢٢) بالنزول بجزيرة الأحاسي والتّحيّل في أخذ قصر الدّيماس بمباطنة العرب ثم الزّحف من هناك في البر بالرّجال والخيل إلى المهديّة.

فلمّا كان اليوم الرّابع اجتمع المسلمون وخرجوا من المهديّة وكبّروا تكبيرة واحدة راعت من في الجزيرة، فظنّوا أنهم داخلون إليهم فانهزموا إلى مراكبهم وقتلوا بأيديهم كثيرا من خيلهم، ودخل المسلمون الجزيرة وليس بها أحد منهم فوجدوا فيها خيلا وآلات وأسلحة أعجلهم الهرب عن حملها، وأحاطوا بقصر الدّيماس يقاتلونه والأسطول في البحر يعاين ذلك ولا يستطيع اغاثة من في القصر لكثرة ما اجتمع في البر من عساكر المسلمين، فلمّا علموا أنهم غير قادرين على انقاذ (٢٣) من في القصر أقلعوا عائدين إلى صقليّة، وأقام المسلمون يقاتلون من حصل بقصر الدّيماس منهم إلى أن اشتدّ عليهم الحصار وفني ماؤهم وطعامهم فخرجوا منه ليلة الأربعاء لرابع عشر من جمادى الآخرة، فتخطفتهم سيوف الأعراب / فقتلوا عن آخرهم.


(١٩) هي جزيرة كائنة في عرض رأس الديماس على نحو ١٠ أميال شمال المهدية، والاحاسي ج حسي أو حسا بمعنى بئر في أرض رمليه، أرض صلبة مغطاة بالتراب حيث تتسرب إليها المياه وحيث يوجد الماء فيها بسهولة وفي عمق قليل. أنظر: بلاد البربر الشرقية في عهد الزيريين لهادي روجي ادريس، باريس ١٩٦٢، ١/ ٣٣٥.
La Berberie orientale sous les Zirides .
(٢٠) في ش: «أهالهما».
(٢١) في ش: «زهى».
(٢٢) في ش: «أمرهم».
(٢٣) في الرحلة «استنقاذ».