للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للقائهم وقد جمع من الجموع ما لا يعد، وكانت الوقعة على الرّوم بظاهر إستجة (١٢)، فاستأصل من الرّوم ما يفوق ثمانية آلاف، منهم زعيمهم ذا النّون، فقتل وطيف برأسه على البلاد، ثم قسّمت الغنائم في عساكر المسلمين، ثم توجّه إلى جهاد حمص (١٣) ثم إلى شريش ثم نزلوا بأعلى قرطبة فدوّخوا وأحرقوا وقطعوا آثار الكفر حيث وجد، ثم عبروا إلى الزهراء ثم نزلوا على جيّان ولمّا طوّع البلاد، ومهّد الأطواد، دخل بين أبي يوسف المريني وبين محمد بن نصر جماعة بالفساد، وذلك أن بني اشقيلولة (١٤) الرؤساء بمالقة ووادي آش وقراش كانوا قد خرجوا عن طاعة محمد بن نصر (١٥)، فلمّا جاز الأمير أبو يوسف إلى الأندلس لحقوا به ونصحوا له وأغروه بابن نصر سلطانهم فأفسدوا ما بين أبي يوسف، وابن نصر، وكان آخر أمرهم أن خرجوا له عن مدينة مالقة (١٦) فملّكوها السّلطان أبا يوسف، فولى عليها عاملا من قبله فضاق ذرع ابن نصر بذلك، وأعمل الحيلة في استنزال عامل (١٧) أبي يوسف بمال بذله وعوّضه عن مالقة بحصن شلوبانية (١٨)، ثم تدارك الله أمر المسلمين بصلاح ذات بينهم / واتصال أيديهم، ولولا فضل الله ورحمته لحلّ بابن نصر (١٩) ما حلّ بابن عبّاد من يوسف بن تاشفين، وتوفي السّلطان أبو يوسف المريني بالجزيرة الخضراء سنة خمس وثمانين وستمائة (٢٠).


(١٢) في ط: «السجة» وفي ش: «ماسجة» والمثبت من معجم البلدان، قال ياقوت: «بالكسر ثم السكون، وكسر التاء فوقها نقطتان وجيم وهاء اسم لكورة بالأندلس متّصلة بأعمال ريّة بين القبلة والمغرب من قرطبة. . .» ١/ ١٧٤.
(١٣) بالأندلس وهم يسمّون مدينة اشبيلية حمص، وذلك أن بني أميّة لمّا حصلوا بالأندلس وملكوها سمّوا عدة مدن بها بأسماء مدن الشّام، معجم البلدان ٢/ ٣٠٤.
(١٤) أي أهل تلمسان.
(١٥) المعروف بابن الأحمر وهو محمد بن يوسف بن نصر يدعى بالشيخ وولده المتولي بعده محمّد المعروف بالفقيه وهو الذي استنجد بالمرينيين للجهاد في الأندلس.
(١٦) وكان ذلك في المرة الثانية التي رجع فيها أبو يوسف إلى الأندلس في سنة ١٢٧٧ م، عن هذه الأحداث أنظر مثلا تاريخ شمال افريقيا ٢/ ١٧٢.
(١٧) هو عمر بن يحيى بن محلى.
(١٨) وبذل له مالا أيضا وتنازل ابن محلى عن مالقة لابن الأحمر.
(١٩) وابن نصر هذا كان متقلبا يميل مع الريح حيث مالت، ولا يستنكف من مصادقة النّصارى حفاظا على ملكه وخوفا من السلطان أبي يوسف، ولمّا بان له سوء نيّة النّصارى وتكالبهم على بلاد المسلمين بادر إلى الصّلح مع الأمير أبي يوسف المريني، ومن هذا يظهر أنه انتهازي وصولي تهمّه بالدرجة الأولى مصلحته الشخصيّة لا مصلحة الاسلام ومستقبل جزيرة الأندلس.
(٢٠) ١٢٨٦ - ١٢٨٧ م.