للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محمّد اللّحياني ابن الشيخ أبي عبد الواحد، كان - رحمه الله - مشاركا في العلوم والآداب، فلذا كان يألف أهل العلم والأدب، وكان في أول أمره كثير التّمنّع من الأمر، وكان أحب الأمر إليه أن يكون نائبا عن خليفة يكون قابلا لكلامه مؤثرا له عمّا سواه، عاملا بمقتضى السّياسة، فلذا ردّ (١٥٢) أفعال من كان قبله، واسترجع البلاد التي سوغت، وقال: لا يمضي عطاء من لا يعرف قدر ما اعطى، ثم عرض الجيش فأسقط منه من لم يكن له أصل ثابت في القبائل، وسار في النّاس سيرة حسنة، ومكّن (١٥٣) ولده للحكم عند القاضي أبي اسحاق بن عبد الرّفيع في دم ادعي عليه به، وهو كان سبب محنة القاضي المذكور.

ثم إن السّلطان أبا يحيى زكرياء بن اللحياني رأى اضطراب الأحوال، وافتتان العربان، وظهر له خروج الأمر من يده، فجمع الأموال وباع / جميع الذّخائر التي كانت في القصبة حتى الكتب التي كان الأمير أبو زكرياء الأكبر جمعها، واستجاد أصولها ودواوينها، أخرجت للكتبيين وبيعت بدكاكينهم، زعموا أنه جمع ما يجاوز عشرين قنطارا من الذّهب، وجولقين من حصى الدّر والياقوت، واستعمل حركة لقابس وخرج اليها في أول عام سبعة عشر وسبعمائة (١٥٤)، بعد أن رتّب بتونس أجنادا يذبّون عنها مع قائد البلد ألف فارس، بعضهم بأنف الجبل الذي بقبلة تونس، وبعضهم بالعلويين، وبعضهم على طريق باجة، وخرج من تونس في قدر ألف فارس، واستخلف بها أبا الحسن بن وانودين، ورحل إلى قابس فسكنها بأهله وولده إلاّ ولده محمد، ويدعى «أبا ضربة» فإنه تركه معتقلا.

ولما خرج هو من تونس تحرك السّلطان أبو يحيى أبو بكر، وارتحل (١٥٥) من قسنطينة في جمادى الآخرة من سنة سبع عشرة قاصدا الحضرة فلقيه وفد العرب وانتهى إلى باجة، وانصرفت حاميته لتونس، وكان نوّاب ابن اللحياني كتبوا له بحركة أبي بكر على تونس، فكتب لهم: عندكم الأموال والأجناد، وما فعلتم فقد أمضيته، فوجدوا عندهم من المال المجتمع من حين سافر مائة ألف دينار (١٥٦) وخمسين ألفا، ووجدوا من


(١٥٢) كذا في ط وتاريخ الدولتين ص: ٦٢، وفي ش: «أراد».
(١٥٣) كذا في ط وتاريخ الدولتين ص: ٦٢، وفي ش: «مكنه».
(١٥٤) مارس ١٣١٧ م.
(١٥٥) كذا في تاريخ الدولتين وط، وفي ش: «تحرك».
(١٥٦) ساقطة من ش.