للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومراد باشا وكان بمسلاّتة (٤٩٥)، وبقي بها درغوث إلى أن توفي، وقبره الآن مزار وعليه بناء عظيم».

وسبب أخذها من العدو أن مراكب المسلمين جاءت من اسلامبول (٤٩٦) مددا للعمارة المحاصرة لحلق الوادي بتونس - يعني بعد قدوم خير الدّين أولا، وكان باشا العمارة سنان باشا، أخا الوزير الأعظم رستم باشا وزير المرحوم السّلطان سليمان خان - (٤٩٧) فمرت بسواحل طرابلس فكلمهم أهل السواحل في اعانتهم على النّصارى فقالوا انا لم نؤمر بذلك من السّلطان، فقال لهم الباشا مراد أعينوني في هذا الأمر فإن / كانت عقوبة فأنا المؤاخذ بها دونكم، فحاصروها برّا وبحرا إلى أن أخذوها فذهب معهم مراد باشا إلى السّلطان، وقال له: إن كانت عقوبة فأنا المؤاخذ بها دون هؤلاء الأمراء، فرضي السّلطان عنه وعنهم وأكرمهم (٤٩٨).

وأما أخذ النّصارى لها فذكروا لذلك قصّة غريبة، وهي أن أهل هذه المدينة فيما مضى كانوا أهل دنيا عريضة (٤٩٩) فيما يقال، وليس فيهم عناء ولا لهم بالحرب خبرة، فبينما هم كذلك اذ قدمت سفن للنّصارى تجّارا بها سلع كثيرة فنزلت بالمرسى، فخرج إليهم رجلا من التجار فاشترى منهم جميع ما بأيديهم من السلع ونقد لهم ثمنها، ثم استضافهم رجل آخر فصنع لهم طعاما فاخرا، فلما قرب لهم الطعام أخذ ياقوتة ثمينة ودقّها دقّا ناعما وذرها على الطعام فبهتوا من ذلك، فلما فرغ قدم لهم دلاعا (٥٠٠) فطلبوا سكينا لقطعها فلم توجد في داره سكين (٥٠١) ولا عند جاره إلى أن خرجوا للسوق فأتوا


(٤٩٥) مراد آغة، وكان بك تاجوراء.
(٤٩٦) في الرحلة العياشية: «اصطنبول» وكتبها المؤلف اسلامبول أي مدينة الإسلام طبقا لما كان شائعا، وكذلك كتبها تجار أهل مدينته آنذاك حسبما تثبت الوثائق التجّارية المحفوظة بمتحف صفاقس، واسلامبول كلمة معروفة في المشرق والمغرب.
(٤٩٧) اضافة تفسيرية من المؤلف عما في رحلة العياشي.
(٤٩٨) ما أورده العياشي عن سبب احتلال طرابلس من طرف درغوث ونقله مقديش هنا يتفق مع رواية ابن غلبون في تاريخه ص: ٩٤ وتبناه فيرو (Feraud) في حولياته، ولكن روسي يرى في كتابه «ليبيا» أن الحملة ضد طرابلس كانت مدبرة من اصطنبول وبتوجيهات من السّلطان العثماني، ص: ١٧٤، ويقف عزيز سامح الذي اعتمد وثائق عثمانية نفس الموقف في كتابه: «الأتراك العثمانيون» ص: ٤٩.
(٤٩٩) أي موسرة.
(٥٠٠) ما يعرف في الشرق بالبطيخ الأخضر.
(٥٠١) ذكر بعض المؤرخين هذه القصة وهي شبيهة بالأسطورة لأن المسالمة والقصور من السلاح لا يبلغ هذا الحد اذ السكين لازمة الوجود في المطبخ وغاية ما في هذه القصة أننا نفهم منها أن هؤلاء التجار كانوا جواسيس.