للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما يدهش الألباب، وبعد مدّة أظهر النّصارى الأمان واسترجعوا المسلمين لديارهم على شرط أن من وجد داره غير معمورة بالنّصارى سكنها، ومن وجد بها كافرا فوّض أمره إلى الله.

وقسّمت المدينة بين المسلمين والنّصارى، فاختلط النّصارى بالمسلمين، وأهين المسجد الأعظم، ونهبت خزائن الكتب التي كانت به، وداستها الكفرة بالأرجل، وألقيت تصانيف الدّين بالأزقّة تدوسها حوافر خيل الكفّار، حتى قيل إن أزقة الطيبيين بجانب جامع الزيتونة كانت كلها مجلدات ملقاة تحت الأرجل، وضربت النواقيس، وربطوا الخيل بالجامع الأعظم ونبش قبر سيدي محرز بن خلف، فلم يجدوا به إلاّ الرمل وفعلوا بالمسلمين ما يفعل العدو بعدوه / وكل دار مسلم مجاورة لدار نصراني، وكبير النّصارى ساكن بالقصبة مع محمّد الحفصي يجلسان معا بالقصبة للحكم، واستعمل النّصراني سياسة الرّفق بالنّاس ورفع الجور في الحكم، هذا كله وقع لأهل المدينة والربض القبلي (٥٢٥)، لانهم تحت رمية المدفع، فلم يجدوا بدّا من المساعدة، وأما ربض باب السويقة فإنهم (٥٢٦) انحازوا إلى ناحية، ومنعوا أنفسهم من الإهانة.

وفي هذه المدّة كان شروعهم في مدينة البستيون (٥٢٧) - المقدمة الذكر - فلاقى أهل تونس من الكفار سوء العذاب.

وأما الباشا الذي بتونس وجنوده فانهم لما دهمتهم النّصارى ورأوا أمرا لا طاقة لهم به خرجوا لناحية الحمّامات، فامتنعوا (٥٢٨) من فتح الأبواب، فذهبوا للقيروان، وكان بها حيدر باشا الذي ضرب الحيدري (٥٢٩)، وقيل إن الباشا الذي كان بتونس هو حيدر المذكور وإنه لما أحس بغلبة الكفّار خرج هو وأهل البلد جميعا إلى جهة القيروان، فجاء عسكر الكفّار واستولى على تونس.

فلما خرج حيدر بمن معه أتبعهم في ذهابهم النّصارى فاقتتلوا فانهزم النّصارى، وبعث من رؤوسهم أحمالا للقيروان، ورجعوا للحمّامات محاصرين لهم ففتحوها عنوة، فقتلوا الرّجال وسبوا النّساء والأطفال، ونهبوا / الأموال وافتكّ الشّيخ الجديدي [منهم]


(٥٢٥) هي ربض باب الجزيرة.
(٥٢٦) أي أهله.
(٥٢٧) في الأصول: «البستيور».
(٥٢٨) أي أهل الحمامات.
(٥٢٩) بعدها في المؤنس «المشهور بالقيروان» ص: ١٧٧.