للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فدخل الكنيسة راكبا على فرسه فجزعت الرّوم من ذلك جزعا شديدا، فلمّا دخل الكنيسة نظر إلى صليبهم الأعظم، وهو موضوع على كرسي من ذهب وعيناه ياقوتتان وأنفه زبرجدة خضراء، فلمّا نظر مسلمة إلى الصّليب أخذه فوضعه على قربوس (٢٠٢) سرجه، فقالت الرهبان لأليون: لا تدعه يأخذه، فقال له أليون: إن الرّوم لا ترضى بهذا، فحلف أن لا يخرج حتى يأخذه معه، فقال أليون للرّوم: دعوه يخرج به ولكم علي مثله، وإن لا دخل عليكم البطّال إن استبطأه فأخذه وخرج وهو راكب وأليون ماش في خدمته، فخرج والصّليب على رأس رمحه (بعد العصر) (٢٠٣) وكان القوم قد همّوا بالدّخول، فلمّا نظروا إليه كبّروا تكبيرة واحدة فكادت الأرض تمور بهم وسرّوا بخروج مسلمة سرورا عظيما، فأرسل أليون المال الّذي عهد إليه به، وبه تاج مرصّع فباعوا (٢٠٤) التّاج من بطارقة الرّوم بمائة ألف دينار، ثم عرض النّاس فكانوا يومئذ أربعة وأربعين ألفا قد أصابهم الجهد، فقسّم المال عليهم، ثم قام فيهم خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه ثم صلّى على النبيء صلّى الله عليه وسلم / ثم قال: أيّها الناس إني في غمرات الموت منذ سبع سنين لم أحب أن أخبركم وكرهت أن أفشلكم عن قتال عدوّكم، وقد توفّي خليفتكم عبد الملك، وولي إبنه الوليد فمات، وولي أخوه سليمان بن عبد الملك فبايعوا له، فأقاموا بعد ذلك ثلاثة أشهر بالمدينة حتى أصلحوا سفنهم، ثم أمر أبا محمّد البطّال أن يحمل المسلمين في السفن، فلم يزل ذلك دأبه حتى عدّى الناس كلّهم، وبقي مسلمة، فقبل أليون رجله وودعه، وعبر السفينة هو ومائة فارس، ولم يتخلف بالجزيرة منهم أحد، وتوجّهوا نحو بلادهم، ففي أثناء الطريق أتاه كتاب عمر بن عبد العزيز بموت سليمان بن عبد الملك وبخلافته، وأن يقدم بمن معه جميعا، فقدموا دمشق في ثلاثين ألف.

وذكر المولى جنابي في تاريخه أنّ الذي اشتهر عند البطّال الغازي (٢٠٥) هو أبو محمد جعفر ابن السّلطان حسين بن ربيع بن علي بن عبّاس سكن بقرية الشّيحة (٢٠٦) المرسومة (٢٠٧) بمدينة السيد غازي وبها قبره يزار، زوّج أخته لعمر بن زياد بن عمرو بن


(٢٠٢) ج قرابيس، حنو السرج أي قسمه المقوس المرتفع من قدام المقعد ومن مؤخره.
(٢٠٣) ما بين القوسين ساقط من ط.
(٢٠٤) في ط: «فباع».
(٢٠٥) في بقية الأصول: «القاري».
(٢٠٦) في ش: «السيحة».
(٢٠٧) في ط: «الموسومة».