للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمين فيتعدّى أذاهم من تونس إلى أخذ الجزائر وطرابلس، فيحكمون قلاعها وأسوارها وحصونها ويرتدّون عن الإسلام عربان المغرب، فيتقوّى الكفّار الفجّار على أخذ مصر وغيرها من ديار الإسلام، فأيقظ الله هذا السّلطان وبصّره لدفع أولائك الفجّار، ومزّقهم كلّ ممزّق وشتّت شملهم، وفرّق جمعهم، فلا يقوم لهم رأس إن شاء الله بعد ذلك، فرحم الله هذا السّلطان وعساكره الّذين سعوا في إستنقاذ بلاد الإسلام، وخلّد الله الملك في آله.

وكان هذا الفتح الثّاني (٨٦) يوم الخميس المبارك لخمس بقين من جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وتسعمائة (٨٧)، قيل إن طاغية النّصارى / الّذي كان طامعا في الإستيلاء على تونس لمّا سمع بمجيء العساكر العثمانيّة همّت نفسه أن يمدّ الحصار بمدد من عنده ويرسل عمارة بذخائره وجنوده، فبعث رجالا (٨٨) من حكمائه يتجسسون الأحوال، فرجعوا إليه مسرعين، فسألهم عمّا شاهدوه من أحوال عساكر الإسلام، فقالوا له: رأينا ما أذهلنا، فإنا رأينا كلّ ذي صنعة مشتغلا بشأنه، وكلّ من عيّن في مكان للجهاد ملازم لفرضه ونفله، والقوم بين جزّار وطبّاخ، وأسواق ملآنة بالبائع (٨٩) والمشتري وسمسار وحدّاد ونجّار وبيطار (٩٠)، ومنهم من يتداول الحرب ويعتمد عليه، ومنهم من همّه شأن نفسه ولا يلتفت إليه، وليس لأحد علم بما صنع الآخر، فلو بعثت إليهم بجميع النّصرانيّة لم (٩١) تغن شيئا، ولم تبق (٩٢) منها بقيّة، فبطل عزمه وزعمه، وانفشل حزمه، وانقطع رجاؤه وخاب أمله (٩٣).

ولما فتحوا البستيون (٩٤) وجدوا الجامع الّذي بخارج باب البحر ملآن بالسّلاسل (٩٥) والأغلال كانوا أعدّوها (٩٦) للمسلمين، فكانت والحمد لله بعد الفتح في أعناق من


(٨٦) هو فتح البستيون.
(٨٧) ٢٣ سبتمبر ١٥٧٣ م.
(٨٨) في الأصول: «رجلين» والتّصويب من المؤنس ص: ١٩٤.
(٨٩) في المؤنس: «وأسواق ملئانة بالباعة من كلّ صنف والمشتري بين دلاّل وسمسار».
(٩٠) في ط: «وبنائين»، وفي المؤنس: «وبيطار وأكثرهم مشتغل بجمع الدّرهم والدّينار. . .».
(٩١) في ش وت: «فلم».
(٩٢) في الأصول: «يبق».
(٩٣) في ط: «دهشان».
(٩٤) في الأصول: «البستيور».
(٩٥) في الأصول: «السلاح»، والمثبت من المؤنس ص: ١٩٤.
(٩٦) في الأصول: «أعدوه».