للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثمّ جمع أكابر دولة عمّه ومن جملتهم مزهود فكحّل أعينهم بالنار كما تسبّبوا له في ذلك، ثمّ فقأ أعينهم وعذّبهم بما لم يعذّب به أحد، وقبل العمي (٤٦٢) ألزمهم أن يلعبوا برأس عمّه بأن يتلقّفوه بين أيديهم، وألزمهم سبّه بجميع أنواع الفحش، وألزمهم يغنّون كما كانوا يغنّون لعمّه، وهو يقطع لحومهم بيده ويعبث بذلك، ثمّ نكّل بهم وثقّلهم بالأغلال، فلمّا كانت ليلة العيد قطع رؤوسهم وأمر رجاله أن يقفوا / على أهل كلّ رأس ليعطوا البشارة على موت أعداء سيّدهم مراد باي ولا ينفصلوا إلاّ بجائزة لها بال، ويفعلون ذلك بالأسواق، فجمعوا أموالا عظيمة.

وليلة ثالث العيد أظهر من القتل والخمور والفواحش ما عظم على البلاد أمره، ثمّ إنّ الحقوق ضاعت لخوف الخلق من الوقوف بين يديه، وتمادى على قبيح أفعاله وهو ينتقل من غار الملح لبنزرت إلى غير ذلك، ويقتل الخلق ذبحا ورميا بالرّصاص وغير ذلك، ثم ظفر بالأستاذ مفتي المالكية أبي عبد الله محمد العواني القيرواني (٤٦٣) فقتله وأكل من لحمه مشويّا وأطعم خاصّته منه (٤٦٤)، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون وكان ذلك في الكتاب مسطورا.

وضيّق الأمر على العباد وتعطّلت الأحكام الشرعيّة والأسباب، فهلكت البلاد، ثمّ توجّه لسوسة فأمر بإحضار كثير من الحطب فأوقد نارا، وأخرج عمّه من قبره وألقاه فيه، وباتت النّار يحطّم بعضها بعضا ومن الغد أمر بجمع رماد عمّه ووضعه في مركب وألقاه في وسط اليمّ كي لا يعرف له قبر (٤٦٥).

وأرسل إلى الجزائر بهديّة فردّوها عليه وأظهروا له العداوة لما بلغهم من قبائح أفعاله الّتي تذهل العقول، فلمّا بلغه ذلك شرع في تجهيز محلّته الصّيفيّة واجتمعت عليه جموع لا نهاية لها، فدخل باجة ونقم على أهلها ففروا منه، فردّ العقوبة على ما وجد من دوابهم بجعلها هدفا للرّصاص حتّى أفناها.

ثمّ توجّه نحو الجريد / على طريق القيروان فخافوا شرّه لما بلغهم من جوره وما فعل بباجة، وتشوّشت بواطنهم لما يعلمون من عسفه فأعلنوا بالخروج عن طاعته، فلمّا نزل


(٤٦٢) في الأصول: «العما».
(٤٦٣) وهو شريف النّسب، وعائلة العواني من كرائم العائلات بالقيروان ومن أقدمها والمترجم ولاّه رمضان باي الفتيا بتونس.
(٤٦٤) الحلل ٢/ ٦٤١.
(٤٦٥) الحلل ٢/ ٦٤٤.