للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك البناء، وجعله مناسبا للسابق، ويكون سقفه قبوا بالجير والحجر.

ولمّا وجدوا غلات الأوقاف كثيرة خافوا أن تدخل بواطن الوكلاء فتعيّن ما رأوه صلاحا، / فانتدبوا لذلك أكبر المهندسين ممّن له خبرة ونصح للمسلمين، وهما المعلّمان الأكبران أمين البناء الحاج الأبر سعيد القطيّ، والمهندس المتقن المعلّم أسطى طاهر المنيف (٣٤)، فتقدّما للقيام بشؤون الصّنعة، وقدم للقبض والصرف الأمين علي العذار وخطيب ذلك الوقت الشّيخ سيدي حسن الشرفي - رحم الله جميعهم -.

فشرع المهندسون والفعلة في النّقض وحفر أساس الإسطوانات وتقوية ما يحتاج للتّقوية لأنّهم ربّما وجدوا موضع بعض الإسطوانات كان صهريجا أو بئرا أو مرحاضا فتتبّعوا ذلك كلّه بالحجر الصّلب والجير (٣٥) الافراغ (٣٦).

ولمّا أتقنوا مواضع الإسطوانات وضعوها في مواضعها مؤسّسة البنيان على قوة وإتقان، وما وجدوه من العمدان (٣٧) السّابق غير لائق أتوا بعوضه (٣٨) بالشّراء أو الهبة من أهل الخير. فجعل من عنده عمودا في داره مبنيا يعرضه للبناء في المسجد رغبة فيما عند الله من الأجر ولو مع أخذ الثّمن، لأنّ النّيّة الصّالحة تثبت الأجر كأمّ موسى أرضعت ولدها وأخذت أجرها، والأعمال بالنّيّات، فأكملوا بناءه على تقوى من الله ورضوان.

والفاصل بين المسترجع والذي قبله سطر العمدان الذي فيه بمكان الواحدة ثلاثة، وهو سطر أخذ من الحائط الجنوبي منتهيا لآخر المسجد.


(٣٤) من الشّائع أنّ أسرة المنيف من أصل أندلسي، وقد اشتهر أفرادها أبا عن جد بإتقان صنعة البناء، وكانت الحكومة تختار بعضهم للقيام بمهمة أمين هذه الصنعة، وتركت لنا الوثائق المحفوظة بمتحف صفاقس، والنّقائش التي بالمعالم الأثرية عدّة أسماء، منهم زيادة على المعلّم الطاهر بن أحمد المنيف المشار إليه وابنه محمّد الذي كان بنى السقالة الدّفاعية في مقابلة مرسى المراكب.
(٣٥) يقصد اللّياط، ويعرف عاميا بالبغلي وهو خليط من الكلس (الجير) والرّمل بنسب معينة ٣ نسب من الرمل و ٢ من الجير ويقع تحضيره على طريقة خاصة. أنظر محمّد المصمودي
L' habitation traditionnelle dans la banlieue da Sfax. Cahiers des A. T. P. n° ١, ١٩٦٨, p. ٣١.
(٣٦) في ط: «الافرا».
(٣٧) في ط: «العمد».
(٣٨) وهي عمد وتيجان أثرية من بقايا الرومان والرّوم كما نلاحظه اليوم، متناسقة مع العمدان التي بقيت قائمة في الجزء الأول من المسجد.