للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ماجل، فبقيت على ذلك مدّة، وسمّوها النّاصرية (٥٧)، ولمّا طالت الأزمان استولى الفساد على أكثرها.

فلمّا ملك البلاد محمد باي إبن مراد باي - رحمهم الله - جميعا، واستبدّ بعد أخيه علي باي - حسبما مرّ - وكان محبّا لفعل الخير طلب منه أهل البلد إصلاح الناصرية، فأسعفهم بإحياء ما دثر منها (٥٨)، وجعل عليها سورا محيطا بها من جميع جهاتها وجعل عليها بابا يتوصّل منه لدخولها.

ولمّا كثر أهل البلد وعمرت ولم يصبها الطّاعون مدة نحو ثمانين سنة شرع أهل الخير / في زيادة مصانع جديدة، وكلّ يعمل بقدر طاقته، فمن مقل ومن مكثر من واحد إلى أربع وأقل وأكثر، وصار أكثر النّاس يوصون بثلث أموالهم (٥٩) لبناء مصانع للماء في النّاصرية، فكثرت وكفت النّاس في السّنين المخصبة، وإذا توالت المسغبة رجع النّاس إلى شرب ماء الآبار ويحصل لهم بذلك تعب ومشقة شديدة، فاشتهر البلد بشدّة العطش لا سيّما وهي مرسى مورد السّفّار بحرا وبرّا (٦٠)، ومورد الأمحال السّلطانية الشّتائية (٦١). وعلى البلاد عدّة أودية (٦٢) إذا نزل المطر حملت الأودية بماء كثير يروي الأراضي ويصل إلى قرب سور البلد ثمّ يصب في البحر مع شدّة حاجة النّاس لبعض ذلك الذي يصب في البحر.

فلمّا كانت أيّام الباشا - رحمه الله تعالى - بعد سيدي حسين باي - رحمه الله - بلغه ما يقاسيه أهل صفاقس من شدّة العطش فاستدعى وجوه البلد من صفاقس، وكان رجلا شهما مهيبا صعبا فعرّفهم أنّ قصده إنشاء فسقية لحفظ (٦٣) ماء الأودية، فخافوا أن يأمرهم ببنائها من أموالهم لعدم قدرتهم على ذلك، فقالوا: إن الماء قريب من سطح


(٥٧) مع الأيّام وبتوسّع العمران إزدادت صهاريج النّاصرية كما سيشير المؤلّف، وردمت النّاصرية باستثناء خمسة منها وبنيت في مكانها مدرسة ثانوية للفتيات تعرف بالنّاصرية.
(٥٨) ساقطة من ط وت.
(٥٩) كانت للنّاصرية أوقاف كثيرة تشير إلى أهميّتها في حياة النّاس.
(٦٠) كانت صفاقس نقطة إستراحة وتزويد على الطّريق السّاحلي الرّابط بين الشّمال والجنوب ثمّ منه إلى طرابلس والشّرق، وطريق القوافل البرّية في نفس الإتجاهات بإضافة إفريقيا السوداء عبر غدامس.
(٦١) محلّة الشّتاء تذهب إلى الجريد لاستخلاص مجابيه لأنّ إصابته تعتمد على نتاج النّخيل.
(٦٢) واد القناطر وواد الشعبوني.
(٦٣) في ط وت: «تحفظ».