للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التاريخ علم نبيل لفوائده، فهو في رأيه «من أفضل العلوم نفعا وأشرف المزايا قطعا» (٧) وأهم الأسباب إلحاح بعضهم عليه لكتابة «مغازي الصحابة، ومغازي المجاهدين، ومغازي العساكر العثمانية مع تقييد أحوال أمراء الإسلام القائمين بحفظ المغرب من الفتح الأول، وتحديد المغرب برا وبحرا وذكر بلدانه، مع ذكر أهل الفضل من العلماء والصالحين بخصوص صفاقس، وذكر أحوالها مع ذكر ما تيسر من فضلاء غيرها» (٨).

فنزهة الأنظار تبدو وكأنّ مؤلفها صنّفها لإرضاء طلب، ولكن الطلب التقى مع رغبته، فتمت رغم صعوبة السعي إليها الذي لخصه في مقدمتها بقوله: «فرأيت فيما دون ما طلب خرط القتاد سيما من مثلي ممن لا مادة في تعاطي هذا الخطب العظيم الشأن، ومع ذلك فلست أعد نفسي أهلا لأن أكون من فرسان هذا الميدان» (٩).

وفي السنوات الأخيرة من القرن الثامن عشر لاحت بوادر تدهور الحياة التعليمية والعلمية في صفاقس خلال القرن التاسع عشر، وربط محمود مقديش عدم إقبال الناس على التعلم والتعليم بإقبالهم على الدّنيا وتشبثهم بها فقال معلّلا صعوبة الكتابة: «وأحرى وأنا في بلد مطروح في زوايا الإهمال لإقبال أهله على تحصيل الدينار والدرهم والسعي على العيال» (١٠)، ونرى من جهتنا أن هذا التدهور مرتبط أيضا بعمل الطّاعون الجارف الذي انتشر في سنة ١١٩٩/ ١٧٨٦ م فقد أخذ من المؤدبين والمدرسين ومن بقية العلماء عددا وافرا نذكر منهم حسن بن أحمد الشّرفي الفقيه والحيسوبي الفلكي، والشاعرين علي ذويب وإبراهيم الخراط، ومحمد المصمودي القاضي، وعلي المصمودي الفقيه النحوي وغيرهم. وكان عمل الطاعون فاحشا في الناس إلى حد أنه عطل سير حركة العلم والتعليم في وقته وبعده أيضا بموت العديد من رواد الحركة.

وقد لخص لنا ذلك محمود مقديش في كلمة معبرة أتت في مقدمة كتابه فقال: «فتصفحت ما لديّ من مادّة فإذا هي بضاعة مزجاة وقد جرف الطّاعون من بلادنا من كنا نعده من الرواة» (١١).

ومحمود مقديش بالنسبة لمدينته واعتبارا لحياته وثقافته ومستوى كتابته، يمثل حدا فاصلا بين عصرين متباينين ثقافيا، القرن الثامن عشر المزدهر، والقرن التاسع عشر الذي نزلت فيه المعرفة والتدريس والكتابة وإقبال الناس على التعلم، درجات.

اعتبره كراتشكوفسكي، نظرا لتاريخ وفاته من مؤرخي القرن التاسع عشر القلائل وكذلك اعتبره أحمد عبد السلام إذ ابتدأ به تقديم المؤرخين التونسيين في هذه الفترة، اعتمادا على تاريخ وفاته أيضا، ولاحظ في آن واحد «أن مؤلفه نزهة الأنظار يندرج ضمن الأعمال التاريخية الراجعة إلى نهاية القرن الثامن عشر إذ أن الأحداث الأخيرة التي ذكرها مؤرخة في محرم من سنة ١٢٠٥ / سبتمبر أكتوبر ١٧٩٠ م» (١٢).


(٧) النزهة ص: ٣٦.
(٨) النزهة ص: ٣٦ - ٣٧.
(٩) النزهة ص: ٣٧.
(١٠) النزهة ص: ٣٧.
(١١) النزهة ص: ٣٧.
(١٢) Les historiens ، ص: ٢٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>