للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلمّا حصل أوانه ركب بمن معه في مركبه، فأنذر أهل المحرس البلد به، فاحترسوا واجتمعوا بباب البحر ليلا ونهارا، فوصل المكّني ليلا للبلد فربط مركبه ونزل بمن معه من أبطاله فوجدوا البلد محروسا بالعسس، وكان معهم حزام، وكانت داره بالجانب الغربي من البلد ملاصقة للسور قرب البالوعة التي تخرج من سور البلد وإلى الآن يقول أهل البلد فوّارة حزام، وكانت واسعة فأدخلوه / منها فأتاهم بحبل وطلعوا كلهم من السّور، فلمّا نزلوا إلى البلد إتفق رأيهم أن يسيروا لباب البحر (٦٥)، فلمّا وصلوه وجدوا به الجماعة والزواري ومعلّى، فلمّا وردوا عليهم مسلّحين خافوهم وقاموا إضطرارا وسلّموا عليهم وقالوا لهم: مرحبا بكم فسيروا بنا معا للقائد بالقصبة (٦٦) نسلّم عليه، ونصبوا لهم غدرا ومكرا، وفطن لهم محمّد المكّني، فأجابهم لما طلبوا، فساروا جميعا، فلمّا وصلوا لركن الجامع الجديد بباب البحر، التفت المكّني للزواري ومعلّى فضرب أحدهما بسيفه، فأزال رأسه عن بدنه، فالتفت إليه صاحبه وقال للمكّني: قطع الله يدك، فقال له المكّني (٦٧): إن لم أكمّل بك، فضربه فأزال رأسه كصاحبه، ثمّ قال لأصحابه:

أتبعوني فتبعوه، فصار يخرج النّاس من ديارهم بأسلحتهم ويحضّهم على القتال حتّى استولى على البلد، فلمّا أصبح الصّبح أتى نحو القصبة فوجدها مغلقة الأبواب فحصر من فيها وطال حصارهم إلى أن ضاقوا (٦٨) من كلّ وجه، وكان لهم صهريج ماء يشربون منه خارج القصبة فكسروه وغوّر ماؤه، فعطشوا واشتدّ بهم الأمر، فخرجوا من القصبة ليلا من باب غدر (٦٩) وفرّوا بأنفسهم لطرابلس.

وحاز المكّني البلد ثمّ جمع النّاس وأوقف واحدا من أهل البلد قائدا يقال له النوالي، وقدّم الشّعري (٧٠) وغيره ممن يصلح للمقدمية فجعلهم مشايخ (٧١) البلد وصار هو


(٦٥) ما يعرف بباب الدّيوان، وهو الباب القبلي للمدينة، وكان يفتح على المرسى قبل بناء الربض القبلي، ثمّ صار يفتح داخله بعد بنائه، ويطلق اليوم على حي باب البحر الذي تكون شيئا فشيئا بعد انتصاب الحماية على تونس في سنة ١٨٨١ م.
(٦٦) كانت القصبة مقرّ العامل - القائد - المتولي على المدينة من طرف السّلطة المركزية.
(٦٧) ساقطة من ط.
(٦٨) في ط: «خافوا».
(٦٩) أظهرت الحفريات الأثرية بالقصبة العثور على باب غدر صغير في أحد جوانب المسجد السّفلي، وباب الغدر هذا يعظي على المرسى، ولا تفصله عنه إلاّ بعض أمتار، ولعلّه باب الغدر المشار إليه في النّص.
(٧٠) إسم لأسرة ما تزال موجودة بصفاقس.
(٧١) كانت المدينة مقسمة إداريا إلى أحياء، وكل حيّ يرأسه شيخ له إتصال بعامل المدينة.